للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان إذا غضب لم يثبت له أحد من شرّ غضبه-فنادى بأعلى صوته: يا بسيل (١) -وكانت دعوتهم فى الجاهلية-فأجابته قريش بأجمعها؛ فقالت: ما قضيّتك (٢) يا أبا الحارث؟ فقال: فقد ابنى محمد. فقالت قريش: اركب نركب معك؛ فإن شققت جبلا شققناه معك، وإن خضت بحرا خضناه معك. فركب وركبت معه قريش، فأخذ على أعلى مكة، وانحدر على أسفلها، فلما أن لم ير شيئا ترك الناس، واتشح بثوب وارتدى بآخر، وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعا ثم أنشأ يقول:-

يا ربّ إنّ محمدا لم يوجد … فجمع قومى كلّها مبدّد

فسمعنا مناديا ينادى من جوّ الهواء: معاشر القوم لا تضجوا فإن لمحمد ربّا لا يخذله ولا يضيّعه. فقال عبد المطلب: أيها الهاتف، من لنا به؟ قال: بوادى تهامة، عند الشجرة اليمنى.

فأقبل عبد المطلب راكبا، فلما صار فى بعض الطريق تلقّاه ورقة بن نوفل، فصارا بسيران، فبينما هما كذلك إذا النبى قائم تحت شجرة يجذب أغصانها، ويعبث بالورق، فقال عبد المطلب: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال عبد المطلب: فدتك نفسى، وأنا جدّك عبد المطلب. ثم احتمله وعانقه ولثمه، وضمّه إلى صدره وجعل يبكى، ثم حمله على قربوس سرجه


(١) كذا فى م، ت، والزهر الباسم لوحة ١٤٥. وفى هـ «يا بسل» وفى دلائل النبوة ١:١١٦ «يا سيل».
(٢) كذا فى ت، هـ. وفى م ودلائل النبوة ١:١١٦ «ما قصتك».