فيها زحف أبو عزيز قتادة من مكة، وحاصر صاحب المدينة سالم بن قاسم الحسينى وألحّ فى حصاره، ثم إن سالما قصد الحجرة الشريفة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - فصلّى عندها ودعا، وسار فلقيه، فانهزم قتادة، وجاء المدد لسالم من بنى لأم، فأتبعه سالم وأنشب الحرب بينهما ببدر - وقيل بذى الحليفة - وهلك كثير من الفريقين، وانهزم أبو عزيز، وأسر سالم سليمان بن عبد المحسن التميمى الدارمى وزير قتادة - وكان سليمان أسود اللون، ضخم الجثة، قبيح الصورة - فلما حضر سليمان بين يدى سالم قال سالم لسليمان: من كان مدبّر رأيه من هذه صورته فيجب على خصمه ألا يمسكه عنه متى حصل بيده، فاذهب إلى صاحبك. فقال سليمان لسالم: ضاع الشكر أيها الأمير بحسن البادرة. فقال سالم: وتوريتك أحسن منها. ثم أحسن سالم لسليمان وخلّى سبيله.
فلما عاد سليمان إلى الشريف أبى عزيز سأله: ما كان من فعل سالم معكم؟ فقال له سليمان: يا أمير، الفاطميون يحسنون إلى الناس، ويسئ بعضهم إلى بعض!! فطرب أبو عزيز لذلك لما سمعه، وجعل يعيد ما قاله سليمان، وظهر له أنه وفّق فيه للصواب (١).
واتبع سالم أبا عزيز إلى مكة فحاصره مثل أيّام حصاره بالمدينة،