للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«سنة أربع وأربعين ومائة»

فيها بنى المسجد الذى يقال له مسجد البيعة بقرب العقبة التى هى بحد منى من جهة مكة فى شعب على يسار الذاهب إلى منى بينه وبين العقبة (١) غلوة (٢) أو أكثر.

وفيها حج بالناس أبو جعفر المنصور، وكان لما قدم مكة يخرج من دار الندوة إلى الطواف يطوف فى آخر الليل، ويصلى ولا يعلم به، فإذا طلع الفجر رجع إلى دار الندوة، وجاء المؤذنون يسلمون عليه، وأقيمت الصلاة فيصلى بالناس. فخرج ذات ليلة حين أسحر، فبينما هو يطوف إذ سمع رجلا عند الملتزم وهو يقول:

اللهم أشكو إليك ظهور البغى والفساد فى الأرض، وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع، فأسرع المنصور فى مشيه حتى ملأ مسامعه من قوله، ثم خرج فجلس ناحية من المسجد، ثم أرسل إليه فدعاه.

فصلى ركعتين واستلم الركن، وأقبل مع الرسول فسلم عليه، فقال له المنصور: ما هذا الذى سمعتك تقول من ظهور البغى والفساد فى الأرض، وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع، فو الله لقد حشوت مسامعى ما أمرضنى وأقلقنى. فقال: يا أمير المؤمنين إن أمّنتنى على نفسى أنبأتك بالأمور من أصلها، وإلا أحتجب عنك،


(١) فى الأصول «الكعبة» والمثبت يقتضيه السياق، وانظر هامش أخبار مكة للأزرقى ٢:٢٠٦، والجامع اللطيف ٣٣٣.
(٢) الغلوة: رمية سهم (لسان العرب) وتقدر بثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة (المعجم الوسيط).