للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقتصر على نفسى ففيها لى شغل شاغل. فقال: أنت أنت آمن على نفسك. فقال: يا أمير المؤمنين، إن الذى دخله الطمع حتى حال بينه وبين الحق وإصلاح ما ظهر من البغى والفساد فى الأرض لأنت. قال: ويحك، فكيف يدخلنى الطمع والصفراء والبيضاء فى يدى، والحلو والحامض فى قبضتى؟! قال: وهل دخل أحدا من الطمع ما دخلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله ﷿ استرعاك أمور المسلمين وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجابا من الآجرّ والجص، وأبوابا من الحديد، وحجبة معهم السلاح، واتخذت وزراء وأعوانا فجرة إن نسيت لم يذكروك، وإن أحسنت لم يعينوك وقوّيتهم على ظلم الناس بالأموال والرجال والسلاح، وأمرت ألاّ يدخل عليك من الناس إلا فلانا وفلانا، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف والجائع والعارى، وما أحد إلاّ وله فى هذا المال حق، فما زال هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك، وأمرت ألا يحجبوا عنك، تجبى المال ولا تقسمه، قالوا: هذا قد خان الله فما بالنا لا نخونه وقد سخرلنا، وأتمروا على ألا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أرادوا، لا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا أقصوه حتى تسقط منزلته، فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم، وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليتقووا بها على ظلم رعيتك، (١) ثم جعل ذلك ذوو القدرة


(١) وفى الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ٩٢ «وتبعهم من كان ذا قدرة وثروة من رعيتك ليظلموا من دونهم».