للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَسْعَى، وَيُخْبِرُ بِأَنَّ اللَّهَ فَلَقَ الْبَحْرَ، فَقَالَتِ الْمَلَاحِدَةُ: إِنَّ الشَّيْءَ الثَّابِتَ يُسَمَّى طُورًا، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ كَالْجَبَلِ، وَالْقُلُوبَ تُسَمَّى أَوْدِيَةً، وَإِظْهَارَ الْعُلُومِ بِتَفْجِيرِ يَنَابِيعِ الْعِلْمِ، وَالْحُجَّةَ الْمُبْتَلِعَةَ كَلَامَ أَهْلِ الْبَاطِلِ هِيَ عَصًا مَعْنَوِيَّةٌ، فَمُرَادُ الْكُتُبِ بِالطُّورِ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ الَّذِي فَاضَ مِنْهُ الْعِلْمُ عَلَى قَلْبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْوَادِي قَلْبُ مُوسَى، وَالْكَلَامُ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى سَمِعَهُ مِنْ سَمَاءِ عَقْلِهِ، وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ كَانَتْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّتِي رَآهَا كَانَتْ أَشْخَاصًا نُورَانِيَّةً تَمَثَّلَتْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْبَحْرُ الَّذِي فَلَقَهُ هُوَ بَحْرُ الْعِلْمِ، وَالْعَصَا كَانَتْ حُجَّتَهُ، غَلَبَ عَلَى السَّحَرَةِ بِحُجَّتِهِ الْعِلْمِيَّةِ فَابْتَلَعَتْ حُجَّتُهُ شُبَهَهُمُ الَّتِي جَعَلُوهَا حِبَالًا يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَى نَيْلِ أَغْرَاضِهِمْ، وَعِصِيًّا يَقْهَرُونَ بِهَا مَنْ يُجَادِلُونَهُ.

أَفَلَيْسَ مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِقِصَّةِ مُوسَى كَالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الرُّسُلِ بِمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى هَذَا، بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُوسَى سَمِعَ نِدَاءَ اللَّهِ لَهُ، وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ مِنَ الطُّورِ طُورِ سَيْنَا الَّذِي هُوَ الْجَبَلُ، وَقَلَبَ عَصَاهُ الَّتِي كَانَ يَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ ثُعْبَانًا عَظِيمًا، وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ وَأَغْرَقَ فِيهِ آلَ فِرْعَوْنَ فَغَرِقُوا وَمَاتُوا فِيهِ وَهَلَكُوا، وَأَمْثَالُ هَذَا مِنْ تَحْرِيفَاتِ الْمَلَاحِدَةِ كَثِيرٌ.

فَهَكَذَا النَّصَارَى حَرَّفُوا كُتُبَ اللَّهِ وَسَمَّوْا صِفَةَ اللَّهِ الْقَدِيمَةَ الْأَزَلِيَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>