للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَوْهَرَانِ أُقْنُومَانِ، وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا وَلَمْ تَلِدِ الْآخَرَ، كَمَا تَقُولُ الْمَلَكِيَّةُ مَعَهُمْ: إِنَّهُ صُلِبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُصْلَبِ الْآخَرُ، وَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَمُتِ الْآخَرُ، وَتَأَلَّمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَأَلَّمِ الْآخَرُ.

فَكَيْفَ جَوَّزَ الْمَلَكِيَّةُ حِينَ الْمَوْتِ أَنْ يَحُلَّ الْمَوْتُ وَالصَّلْبُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَسَائِرُ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ بِأَحَدِ الْجَوْهَرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا - حِينَ الْوِلَادَةِ - أَنْ تَلِدَ مَرْيَمُ أَحَدَ الْجَوْهَرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ تَنَاقُضِهِمْ؟ كَقَوْلِهِمْ جَمِيعًا: إِنَّهُ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَعَدَ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّاهُوتَ مَعَ النَّاسُوتِ قَعَدَ عَنْ يَمِينِ الْأَبِ.

وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّاهُوتَ الْقَاعِدَ عَنْ يَمِينِ الْآخَرِ هُوَ ذَلِكَ الْآخَرُ، وَهُمَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَإِلَهٌ وَاحِدٌ، مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، فَمُنَاقَضَتُهُمْ كَثِيرَةٌ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ النُّسْطُورِيَّةِ أَيْضًا مُتَنَاقِضٌ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ نُصَحِّحَ قَوْلَ الْمَلَكِيَّةِ دُونَ قَوْلِهِمْ، بَلْ قَوْلُ الْمَلَكِيَّةِ أَعْظَمُ فَسَادًا وَتَنَاقُضًا.

فَالنُّسْطُورِيَّةُ يَقُولُونَ: الْإِلَهُ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يُصْلَبْ.

وَالْيَعْقُوبِيَّةُ يَقُولُونَ: وُلِدَ وَصُلِبَ.

وَالْمَلَكِيَّةُ يَقُولُونَ: وُلِدَ وَلَمْ يُصْلَبْ.

وَمَتَى جَازَ أَنْ يُولَدَ، جَازَ أَنْ يَمُوتَ وَيُصْلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصْلَبَ وَيَمُوتَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُولَدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>