للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُجَاوَرَةِ، كَمَا يَسْخُنُ الْمَاءُ بِسُخُونَةِ الْقِدْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ النَّارُ خَالَطَتِ الْقِدْرَ وَلَا الْمَاءَ.

فَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ: (إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ اتَّحَدَ بِابْنِ امْرَأَةٍ، فَصَارَ إِلَهًا تَامًّا وَإِنْسَانًا تَامًّا) ؟

وَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ الْمَاءَ وَالطِّينَ صَارَ شُعَاعًا تَامًّا، وَطِينًا تَامًّا؟ بَلِ الطِّينُ طِينٌ، لَكِنْ أَثَّرَ الشُّعَاعُ فِيهِ بِتَجْفِيفِهِ، لَمْ يَتَّحِدْ بِهِ الشُّعَاعُ، وَلَا نَفَذَ فِيهِ، وَلَا حَلَّ فِي بَاطِنِهِ.

فَهَذَا الْمَثَلُ أَبْعَدُ عَنْ مَذْهَبِهِمْ مِنْ تَمْثِيلِهِمْ بِالنَّارِ مَعَ الْحَدِيدِ، وَمِنْ تَمْثِيلِهِمْ بِالنَّفْسِ مَعَ الْجَسَدِ، فَإِنَّ هُنَاكَ اتِّصَالًا بِبَاطِنِ الْحَدِيدِ وَالْبَدَنِ، وَهُنَا لَمْ يَتَّصِلِ الشُّعَاعُ إِلَّا بِظَاهِرِ الطِّينِ وَغَيْرِهِ.

وَأَيْضًا فَالنَّفْسُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالشُّعَاعُ عَرَضٌ، وَكَذَلِكَ النَّارُ جَوْهَرٌ، فَالشَّمْسُ هُنَا لَمْ تَتَّحِدْ وَلَمْ تَحُلَّ بِالطِّينِ، بَلْ شُعَاعُهَا، بَلْ وَلَا يُوصَفُ الطِّينُ بِاتِّحَادِهِ بِالشُّعَاعِ، وَلَا بِاخْتِلَاطِ الشُّعَاعِ بِبَاطِنِهِ، وَلَا بِحُلُولِ الشَّمْسِ نَفْسِهَا فِيهِ.

وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْقَائِلِ: (إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَلَمْ تَسْتَحِلْ عَنْ نُورِهَا وَنَقَائِهَا وَضَوْئِهَا مَعَ مُخَالَطَتِهَا كُلَّ وَسَخٍ وَنَتَنٍ وَنَجَسٍ) ، إِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْسُ الشَّمْسِ أَوْ صِفَاتُهَا الْقَائِمَةُ بِهَا، فَتِلْكَ لَمْ تَتَّحِدْ بِغَيْرِهَا وَلَا حَلَّتْ فِيهِ وَلَا قَامَتْ بِغَيْرِهَا.

فَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ كَذَلِكَ - وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى - فَهُوَ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَّحِدَ بِغَيْرِهِ وَلَا يَحُلَّ فِيهِ وَلَا يَقُومَ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>