عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي كُتُبِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عَرَفَ حَالَ مُحَمَّدٍ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْقَلِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ الْمُكَذِّبِينَ لَهُ لَا يَشُكُّونَ فِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْخِبْرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْحِذْقِ، مَا أَوْجَبَ أَنْ يُقِيمَ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ مِثْلُهُ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَعُلِمَ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَأَخْبَرِهِمْ بِالطُّرُقِ الَّتِي يُصَدَّقُ بِهَا، وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُكَذَّبُ بِهِ.
فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ - بَلْ عَلِمَ انْتِفَاءَ ذَلِكَ - لَامْتَنَعَ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَيَسْتَشْهِدَ بِهِ وَيُظْهِرَ ذَلِكَ لِمُوَافَقِيهِ وَمُخَالِفِيهِ، وَأَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ أَقَلُّ النَّاسِ عَقْلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إِظْهَارَ كَذِبِهِ عِنْدَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ، عِنْدَ مَنْ يُخْبَرُونَهُ وَهُوَ ضِدُّ مَقْصُودِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُرِيدُ إِقَامَةَ شُهُودٍ عَلَى حَقِّهِ فَيَأْتِي إِلَى مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ وَلَا حَضَرَ قَضِيَّتَهُ، وَيَقُولُ: هَذَا يَشْهَدُ لِي، وَهَذَا يَشْهَدُ لِي فَإِنَّهُمْ كَانُوا حَاضِرِينَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ، فَيَقُولُ أُولَئِكَ: لَسْنَا نَشْهَدُ لَهُ وَلَا حَضَرْنَا هَذِهِ الْقَضِيَّةَ، فَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ عَاقِلٌ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حَاضِرِينَ، وَأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهُ، وَلَا يَشْهَدُونَ لَهُ.
الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: لَمَّا قَامَتِ الْأَعْلَامُ عَلَى صِدْقِهِ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَشَّرُوا بِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ. لَكِنَّ هَذَا لَا يُذْكَرُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُقَامَ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute