ذَلِكَ - لَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْهُمْ مَالًا، وَلَا كَانَ لَهُ مَالٌ يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، وَلَا وَلَّى أَحَدًا وِلَايَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وِلَايَةٌ يُوَلِّيهِمْ إِيَّاهَا، وَلَا أَكْرَهَ أَحَدًا، وَلَا بِقَرْصَةٍ فِي جِلْدِهِ، فَضْلًا عَنْ سَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ سَيْفٍ، وَهُوَ - مَعَ ذَلِكَ - يَقُولُ عَمَّا يُخْبِرُهُمْ بِهِ مِنَ الْغَيْبِ: " «اللَّهُ أَخْبَرَنِي بِهِ، لَمْ يُخْبِرْنِي بِذَلِكَ بَشَرٌ» ".
فَلَوْ كَانُوا - مَعَ ذَلِكَ - يَعْلَمُونَ أَنَّ تَعَلُّمَهُ مِنْ بَشَرٍ لَكَانَ هَذَا مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَيَمْتَنِعُ فِي جِبِلَّةِ بَنِي آدَمَ وَفِطَرِهِمْ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ كَاذِبٌ وَأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ هَذَا مِنْ بَشَرٍ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُخْبِرُ بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِينَ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ، بَلْ وَلَا دَاعِيَ لَهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ. وَيَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا ذَلِكَ، وَهُمْ بِطَانَتُهُ الْمُطَّلِعُونَ عَلَى أَحْوَالِهِ، وَهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ أَعْدَائِهِ الْمُطَّلِعِينَ عَلَى حَالِهِ.
وَالْقُرْآنُ كَانَ يَنْزِلُ شَيْئًا فَشَيْئًا، لَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً، بَلْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ مِنَ الْغَيْبِ بَيْنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَبَاطَنُوهُ وَاطَّلَعُوا عَلَى أَسْرَارِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُخْبِرُهُمْ بِهِ، وَهُمْ مُطَّلِعُونَ عَلَى أَمْرِهِ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَسُؤَالًا بَعْدَ سُؤَالٍ، وَهَذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute