وَمُوسَى وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ الرَّبُّ حِينَئِذٍ وَيَقُولُ بِمَاذَا اسْتَحْلَلْتَ يَا إِبْلِيسُ أَنْ تَأْخُذَ رُوحِي؟ فَيَقُولُ لَهُ إِبْلِيسُ: بِخَطِيئَتِكَ فَيَقُولُ: نَاسُوتِي لَا خَطِيئَةَ لَهُ كَنَوَاسِيتِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ خَطَايَا اسْتَحَقُّوا بِهَا أَنْ تُؤْخَذَ أَرْوَاحُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَأَنَا لَا خَطِيئَةَ لِي.
وَقَالُوا فَلَمَّا أَقَامَ اللَّهُ الْحُجَّةَ عَلَى إِبْلِيسَ جَازَ لِلرَّبِّ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ إِبْلِيسَ وَيُعَاقِبَهُ وَيُخَلِّصَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ إِذْهَابِهِمْ إِلَى الْجَحِيمِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ وَنِسْبَةِ الظُّلْمِ إِلَى اللَّهِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ فَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: فَقَدْ قُدِحَ فِي عِلْمِ الرَّبِّ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ قَدْحًا مَا قَدَحَهُ فِيهِ أَحَدٌ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ إِبْلِيسُ إِنْ كَانَ أَخَذَ الذُّرِّيَّةَ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَاسُوتِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ بِخَطَايَاهُمْ فَلَمْ يَأْخُذْهُمْ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ وَهُمْ قَالُوا إِنَّمَا أَخَذَهُمْ بِذَنْبِ آدَمَ.
الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ مَنْ خُلِقَ بَعْدَ الْمَسِيحِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ كَمَنْ خُلِقَ قَبْلَهُ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُمَكَّنَ إِبْلِيسُ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ دُونَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكُلُّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى آدَمَ سَوَاءٌ وَهُمْ أَيْضًا يُخْطِئُونَ أَعْظَمَ مِنْ خَطَايَا الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَكَيْفَ جَازَ تَمْكِينُ إِبْلِيسَ مِنْ عُقُوبَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ عُقُوبَةِ الْكُفَّارِ وَالْجَبَابِرَةِ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ الْمَسِيحِ؟ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ أَخْذُ إِبْلِيسَ لِذُرِّيَّةِ آدَمَ وَإِدْخَالُهُمْ جَهَنَّمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا مِنْ إِبْلِيسَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute