الثالث: أن يحصل من بعضِ صِيَغِ الاشتقاق ما يُوهِمُ معنًى مُسْتَبْشَعًا، مثل أن يُشْتَقَّ مِنْ (هَمَّهُ الأمرُ) وَزْنُ فَاعِلَة، فيقال:(عَرَضتْ له نَازِلةٌ هَامَّةٌ) أي مُهِمَّةٌ، فيُتَوَهَّمُ أنها الهَامَّة بمعنى الدَّاهِيَة.
الرابع: أن يكون معنى الكلمةِ سخيفًا، فيجب على الكاتب إن اضطُرَّ إلى التعبير عن مدلولها أن يتَنكَّبَ عنها إلى مسالك الكناية تنزيهًا للِّسان، كما جاء القرآن العظيم:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} النساء: ٤٣، {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} البقرة: ٢٣٥. ويُغتفَرُ استعمال المبتذل في مقام الهَزْل أو الحِكَاية أو المشاتَمة، مثل ما وقع في أوائل رسالة ابنِ زيدون المشهورة برسالة وَلاَّدَة.
وأما الرَّشَاقة: فهي مناسبةُ حالِ اللفظ لمقام الكلام، فإنَّ الألفاظ منها جَزْلٌ ومنها سَهْلٌ، فالجَزْل يُستعمَل في ذكر الحروب والحَمَاسة والتوبيخ ونحوها، والسَّهْلُ في مقام الملاطَفَة والغَزَل والمديح، ومنها ما لا يوجِبُ شيئًا من الأمرين، والتحقيق أنَّ كُلَّ هذا لا يَتبَعُ وَصْفَ الألفاظ في ذاتِها؛ إذ ليس وصفُها مختلفًا، ولكنه يتبع جَلْبَ بعض الألفاظ وتركَ البعض بحسب المقام، كما حَسُنَ استعمال (سَيِّدتي) في قول أبي العتاهية:
ألا ما لِسيِّدتي مَالَهَا ... تُدِلُّ فَأَحْمِلُ إِدْلالَهَا