للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا فالخطيب يُخاطِبُ السَّامعين بمقدار ما يَعْلَمُ من رُتْبَةِ انفعالهم بكلامه؛ فتَارةً يتوجَّه إلى ابتداء المطلوب منهم مِنْ غير طَلَبٍ لوسائلِه، ويَكِلُ لهم السَّعْيَ في وسائل تحصيله، وذلك إنْ عَلِم أن لا نُشُوزَ منهم. وتارةً يتطلَّب منهم تحصيلَ الأسبابِ والوسائل إن عَلِمَ منهم نُشُوزًا عن المطلوب لِيَقَعُوا في الأمر المطلوب بعد ذلك على غيرِ تَهَيُّؤٍ إليه، مثال ذلك: لو أراد أن يدعوَ إلى أَمْرٍ فيه صَلاحٌ عامٌّ مثل تكثير سَواد الأمة بالتَّنَاسُل، ويعلمُ من المخاطَبين بعض الإِجْفَال عن ذلك لِمَا يتوقَّعون من متاعب تربية البنينَ والبنات، فيقتضي الحالُ أن يدعوَهم إلى وسيلة ذلك وهو الحَثُّ على التَّزَوُّجِ مُظْهِرًا له في صفةِ السَّعْي لمنفعةٍ شخصيةٍ، مُرَغِّبًا فيه بما يعودُ من حُسْنِ الأُحْدوثَةِ أو بما يحصُل مِنْ أجر عاجل أو آجل.

وكذلك القولُ في حَمْلِ المخالفين على الشيء بالرَّغبة والرَّهبة، فإذا كان الخطيب معتمِدًا على قُوَّة، وعَلِم أنَّ للمخاطَبين من الحِدَّة والعصيان ما يُحبِط سعيَ الخطيب، فعليه أن يتَظاهرَ بقُوَّتِه بَادِئَ الأمر؛ ليَفُلُّ من تلك الحِدَّة، كما فعل الحَجَّاج يوم دخوله الكوفة بعد وقعة دَيْر الجَماجِم.

<<  <   >  >>