للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"المنافع والمضار عامتها أن تكون إضافية لا حقيقية، ومعنى كونها إضافية أنها منافع أو مضار في حال دون حال، وبالنسبة إلى شخص دون شخص، أو وقت دون وقت، منها أنه لا يستمر إطلاق القول بأن الأصل في المنافع الأذن، وفي المضار المنع، كما قرره الفخر الرازي (١)؛ إذ لا يكاد يوجد انتفاع حقيقي، ولا ضرر حقيقي، وإنما عامتها أن تكون إضافية" (٢).


= والثاني: أنه قد يكون للعامل المكلف حامل على العمل حتى يخف عليه ما يثقل على غيره من الناس، وحسبك من ذلك أخبار المحبين الذين صابروا الشدائد وحملوا أعباء المشقات من تلقاء أنفسهم من إتلاف مهجهم إلى ما دون ذلك، وطالت عليهم الآماد وهم على أول أعمالهم حرصا عليها واغتناما لها، طمعا في رضى المحبوبين واعترفوا بأن تلك الشدائد والمشاق سهلة عليهم، بل لذة لهم ونعيم، وذلك بالنسبة إلى غيرهم عذاب شديد وألم أليم، فهذا من أوضح الأدلة على المشاق تختلف بالنسب والإضافات وذلك يقضى بأن الحكم المبني عليها يختلف بالنسب والإضافات.
والثالث: ما يدل على هذا من الشرع، كالذي جاء في وصال الصيام وقطع الأزمان في العبادات، فإن الشارع أمر بالرفق رحمة بالعباد، ثم فعله من بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علمًا بأن سبب النهي وهو الحرج والمشقة مفقود في حقهم، ولذلك أخبروا عن أنفسهم أنهم مع وصالهم الصيام لا يصدهم ذلك عن حوائجهم ولا يقطعهم عن سلوك طريقهم فلا حرج في حقهم وإنما الحرج في حق من يلحقه الحرج حتى يصده عن ضروراته وحاجاته، وهذا معنى كون سبب الرخصة إضافيًا، ويلزم منه أن تكون الرخصة كذلك لكن هذا الوجه استدلال بجنس المشقة على نوع من أنواعها وهو غير منتهض إلا أن يجعله منضما إلى ما قبله فالاستدلال بالمجموع صحيح"، وقد ورد عن أئمة الفقه ما يؤيد هذا الرأي في أمر المشقة، وإسناد تقديرها إلى المكلف.
(١) محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري القرشي، الإمام المفسر، أصله من طبرستان، ومولده في الري سنة ٥٤٤ هـ، وإليها نسبته، وكان يحسن الفارسية، توفي رحمه اللَّه سنة ٦٠٦ هـ. انظر: طبقات الشافعية، ٤/ ٩٠، وفيات الأعيان، ١/ ٤٨٦، والاعلام، ٦/ ٣١٣.
(٢) الموافقات، ٢/ ٣٩ - ٤٠.

<<  <   >  >>