للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأمثلة على تفاوت قدرات المستضعفين وتقديراتهم مسألة الهجرة؛ لكون "المستضعف قد يكون قادرًا على ذلك الشيء مع ضرب من المشقة، وتمييز الضعف الذي يحصل عنده الرخصة عن الحد الذي لا يحصل عنده الرخصة شاق ومشتبه، فربما ظن الإنسان بنفسه أنه عاجز عن المهاجرة ولا يكون كذلك، ولاسيما في الهجرة عن الوطن؛ فإنها شاقة على النفس؛ وبسبب شدة النفرة قد يظن الإنسان كونه عاجزًا مع أنه لا يكون كذلك، فلهذا المعنى كانت الحاجة إلى العفو شديدة في هذا المقام" (١).

فالهجرة مثال من أمثلة كثيرة تختلف فيها معايير الضرورة باختلاف الأشخاص، وقدراتهم البدنية، والمالية، ومكانتهم السياسية، والاجتماعية، فلا يمكن أن توزن كافة الضرورات بمقياس واحد، إن سماحة الشريعة الإسلامية لم تغفل مراعاة الحالات الخاصة، والطارئة، عندما يكون التشريع عامًا ومطردًا، وهذه هي واقعية التشريع الإسلامي التي لا تتجاهل اختلاف القدرات والطبائع والأحوال لدى المكلفين (٢).

وقد نقلت لنا كتب السيرة ما جرى للصحابة رضوان اللَّه عليهم، وهم لم يكونوا على درجة واحدة من التحمل والصبر على الأذى، ولهذا لما وثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، وحبسوهم وعذبوهم بالضرب والجوع والعطش، ليفتنوهم عن دينهم، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه، ومنهم من يصلب لهم ويعصمه اللَّه منهم (٣).


(١) مفاتيح الغيب، ١١/ ١٢.
(٢) انظر: فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة، د. عبد الوهاب أبو سليمان، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب: جدة، ط ٢، ٢٠٠٣ م، ص ٦١ - ٦٢.
(٣) انظر: السيرة النبوية لابن هشام، ٢/ ١٥٩، والسيرة الحلبية، ١/ ٤٧٨.

<<  <   >  >>