للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أنه لا يجب عليه الإنكار، قال العز ابن عبد السلام: "التقرير على المعاصي كلها مفسدة؛ لكن يجوز التقرير عليها عند العجز عن إنكارها باليد واللسان، ومن قدر على إنكارها مع الخوف على نفسه كان إنكاره مندوبًا إليه ومحثوثًا عليه؛ لأن المخاطرة بالنفوس في إعزاز الدين مأمور بها. . . كلمة حق عند سلطان جائر جعلها أفضل الجهاد؛ لأن قائلها قد جاد بنفسه كل الجود، بخلاف من يلاقي قرنه من القتال، فإنه يجوز أن يقهره ويقتله، فلا يكون بذله نفسه مع تجويز سلامتها كبذل المنكر مع يأسه من السلامة" (١).

قال ابن القيم رحمه اللَّه: "فمن سئل عن علم فكتمه ألجمة اللَّه يوم القيامة بلجام من نار، هذا إذا أمن المفتي غائلة الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها أمسك عنها، ترجيحًا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما" (٢).

قال الطحاوي: "ولذلك يحسن أن يستخار في النهي عن المنكر في شخص متمرد يُخشى بنهيه حصول ضرر عظيم عام أو خاص وإن جاء في الحديث أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر لكن إن خشي ضررا عاما للمسلمين فلا ينكر وإن خشي على نفسه فله الإنكار ولكن يسقط الوجوب" (٣).

لذا فإن أهل العلم قالوا: إن وجوب إنكار المنكر يكون بشرط أن لا يترتب عليه ضرر عام بالمسلمين، وألا يلحق المنكر بلاء لا قبل له به من قتل ونحوه، فإن أطاق هذا البلاء ولم يلحق الضرر بغيره فله الأخذ بالعزيمة (٤)، لقوله عليه الصلاة والسلام عندما سئل أي


(١) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ١/ ٩٤ - ٩٥.
(٢) إعلام الموقعين، ٤/ ١٥٧ - ١٥٨.
(٣) حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح، أحمد بن محمد الطحاوي، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق: مصر، ط ٣، ١٣١٨ هـ، ١/ ٢٦٣.
(٤) انظر: فتح البارى، ١٣/ ٥٣، وحاشية الطحاوي على مراقي الفلاح، ١/ ٢٦٣.

<<  <   >  >>