للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجهاد أفضل؟ قال: (كلمة حق عند سلطان جائر) (١)، وإنما كان هذا من أفضل الجهاد "ليأسه من حياته، وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين، وإظهار شعائر الإسلام، فإن ذلك شاق على المتأخرين؛ لعدم المعين، وكثرة المنكر فيهم" (٢).

ويشهد لعدم الوجوب في حال الخشية من الضرر حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: (قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: (يتعرض من البلاء لما لا يطيقه) (٣)، ومع القول بعدم وجوب الإنكار في تلك الحال إلا أنه لا بد من الإنكار بالقلب (٤)، لحديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها- مرفوعًا، قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: يا رسول اللَّه، ألا نقاتلهم، قال: (لا ما صلوا)، أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه) (٥).

إن الفرق بين استضعاف العالم وغيره، هو من جهة الاقتداء، ولولاه لما كان هنالك فرق بين استضعافه أو استضعاف غيره، قال الشاطبي رحمه اللَّه: "تستعظم شرعًا زلة العالم وتصير صغيرته كبيرة، من حيث كانت أقواله وأفعاله جارية في العادة على مجرى الاقتداء؛ فإذا زل حُملت زلته عنه قولًا كانت أو فعلًا؛ لأنه موضوع منارًا يُهتدى به، فإن عُلم كون زلته زلة صغُرت في أعين الناس، وجسر عليها الناس تأسيًا به، وتوهموا فيها رخصة علم


(١) سبق تخريجه، ص ١٩٤.
(٢) عون المعبود، ١١/ ٣٣٣.
(٣) أخرجه ابن ماجه, رقم: ٤٠١٦، والترمذي، رقم: ٢٢٥٤، وقال: "حسن غريب"، قال في مجمع الزوائد، ٧/ ٢٧٤: "ورجاله رجال الصحيح".
(٤) انظر: فتح الباري، ١٣/ ٥٣.
(٥) أخرجه مسلم، رقم: ١٨٥٤.

<<  <   >  >>