للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما فيما يتعلق بالجماعة فإنه يكتفى بالحاجة، وقد نبه على هذا إمام الحرمين رحمه اللَّه عند حديثه عن الكسب الحرام حالة إطباق الحرام، ولم يجد الناس لطلب الحلال سبيلًا، فقال: "فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة، ولا تشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس، بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر لو صابر ضرورته، ولم يتعاط الميتة لهلك، لو صابر الناس حاجاتهم، وتعدوها إلى الضرورة لهلك الناس قاطبة، ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد" إذ "لا يراعى فيما يعم الكافة الضرورة بل يكتفى بحاجة ظاهرة" (١).

٢ - أن تكون جارية على أصول الشرع وقواعده ومقاصده:

فلا بد أن يشهد للضرورة أصل شرعي بالاعتبار، وهذا ما دلت عليه القاعدة الفقهية: "إنما تعتبر الضرورة فيما لا يكون فيه نص بخلافه" (٢). "فعلى كل ناظر ألا يتبع رأيه المحض، حتى يربطه بأصول الشريعة، ومن أعمل الرأي المجرد، أحل وحرم على خلاف الشريعة فلا حجة إذًا في قوله" (٣).


(١) غياث الأمم، ص ٢٢١ - ٢٢٢.
(٢) العناية شرح الهداية، محمد بن محمد البابرتي، دار الفكر: بيروت، ط ١، د. ت، ٣/ ١٠٤.
(٣) البرهان في أصول الفقه، عبد الملك بن عبد اللَّه الجويني، تحقيق: د. عبد العظيم الديب، دار الوفاء: المنصورة، ط ٤، ١٤١٨ هـ، ٢/ ٥٠٥، وانظر: والفروق، ٢/ ١٨٤، جاء في المدخل لابن بدران، ١/ ٢٩٥: "ولا يجوز للمجتهد التمسك بمجرد هذين القسمين المذكورين، وهما: التحسيني، والحاجي، بل لا بد له من شاهد من جنسها يشهد له باعتبار أحكامهما؛ لئلا يكون ذلك وضعا للشرع بالرأي؛ ولأن اعتبارهما بدون شاهد، يؤدي إلى الاستغناء عن بعث الرسل، ويجر الناس إلى دين البراهمة القائلين: لا حاجة لنا إلى الرسل؛ لأن العقل كاف لنا في التأديب ومعرفة الأحكام، إذا ما حسنه العقل أتيناه، وما قبحه اجتنبناه، وما لم يقض فيه بحسن ولا قبح فعلنا منه الضروري، وتركنا الباقي احتياطا، والتمسك بهذين القسمين من المصالح من غير شاهد لهما بالاعتبار يؤدي إلى مثل ذلك ونحوه فيكون باطلا".

<<  <   >  >>