للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الغزالي رحمه اللَّه: "الواقع في الرتبتين الأخيرتين -أي: الحاجي والتحسيني- لا يجوز الحكم بمجرده، إن لم يعتضد بشهادة أصل، إلا أنه يجري مجرى وضع الضرورات، فلا يبعد في أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد، وإن لم يشهد الشرع بالرأي، فهو كالاستحسان، فإن اعتضد بأصل، فذاك قياس وسيأتي، أما الواقع في رتبة الضرورات فلا يبعد في أن يؤدي إليه اجتهاد، وإن لم يشهد له أصل معين، ومثاله إن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين" (١).

ولذلك نجد من الفقهاء من يُعبر عن هذه الضرورة بالضرورة الشرعية (٢)، وألحق الفقهاء بالضرورة الحاجة الماسة والشديدة (٣)، كما يلحق بالضرورة الحاجة العامة، قال العز بن عبد السلام رحمه اللَّه: "إذا عم الحرام بحيث لا يوجد حلال فلا يجب على الناس الصبر إلى تحقق الضرورة لما يؤدي إليه من الضرر العام" (٤).

قال ابن القيم رحمه اللَّه: "الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى


(١) المستصفى، ١/ ١٧٥، وقال ابن قدامة رحمه اللَّه: "فهذان الضربان -أي: الحاجي والتحسيني- لا نعلم خلافا في أنه لا يجوز التمسك بهما من غير أصل، فإنه لو جاز ذلك كان وضعا للشرع بالرأي، ولما احتجنا إلى بعثة الرسل ولكان العامي يساوي العالم في ذلك فإن كل أحد يعرف مصلحة نفسه"، روضة الناظر، عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: د. عبد العزيز السعيد، جامعة الإمام محمد ابن سعود: الرياض، ط ٢، ١٣٩٩ هـ، ١/ ١٧٠.
(٢) انظر: المدخل، لابن الحاج، محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي، دار الفكر: بيروت، ط ١، ١٤٠١ هـ، ٤/ ١٣٤.
(٣) انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ٢/ ١٣٠.
(٤) المرجع السابق، ٢/ ٣٧.

<<  <   >  >>