للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (١)، وفي الاستعانة بالكفار تسليط لهم على المسلمين.

إلا أن المالكية رأوا أن المنع من الاستعانة بهم حتى في حال الضرورة، بينما أجازه أكثر الفقهاء عند الضرورة، ووضعوا شروطًا لذلك منها: أن تكون فيهم جرأة وحسن إقدام، وأن يتمكن الإمام من منعهم قتل أهل البغي بعد هزيمتهم (٢)؛ وذلك لأن قتال البغاة أحكامه الخاصة والتي تختلف عن قتال الكفار، ومن تلك الأحكام عدم جواز رميهم بما يعم كنار ومنجنيق، ويُقاس عليه الأسلحة الحديثة كالطيران والمدفعية ونحوها، ولكن عند كثرتهم وإحاطتهم بالفئة العادلة يجوز ذلك للضرورة (٣)، فإن لم يكن ذلك كافيًا أجاز الفقهاء حينئذ الاستعانة بالكفار؛ لأن "الضرر يدفع بقدر الإمكان" (٤)، واستعمال ما يعم من السلاح ضد البغاة أقل ضررًا من الاستعانة بالكفار عليهم لأنهم يرون قتلهم مدبرين.

كما يمكن الاستدلال على منع الاستعانة بالكفار في القتال ضد البغاة بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (٥)، فهو سبحانه "قدم الإصلاح على القتال وهذا يقتضي أن يبدأ في


(١) سورة النساء، من الآية [١٤١].
(٢) انظر: الأم، ٤/ ٢١٩، روضة الطالبين، ١٠/ ٦٠.
(٣) انظر: الإقناع، ٢/ ٥٤٩.
(٤) درر الحكام، ١/ ٣٧.
(٥) سورة الحجرات، الآية [٩].

<<  <   >  >>