للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إن في دفع المال للكفار إعانة لهم على المعصية.

أجيب: بأنه: "قد يجوز الإعانة على المعصية لا لكونها معصيةً، بل لكونها وسيلةً إلى تَحصيل المصلحة الراجحة، وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحةٌ تَرْبُو على مصلحة تفويتِ المفسدة كما تُبْذَلُ الأموال في فِدَى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة" (١).

فإن قيل: إن في دفع المال لهم صغار وذل للمسلمين.

أجيب: بأن بذل "المال إن كان فيه صغار فإنه يجوز تحمله؛ لدفع صغار أعظم منه، وهو القتل والأسر وسبي الذرية الذين يفضي سبيهم إلى كفرهم" (٢).

وخلاصة هذه المسألة: جواز دفع المال للدولة الكافرة عند اضطرار المستضعفين لذلك، ورأى الإمام أن هذا الصلح خير للمسلمين فحينئذ لا بأس بأن يفعله (٣)، وبعض الفقهاء اشترط خشية الإبادة ولم يكتف بالضرورة، قال الجويني رحمه اللَّه (٤): "فأي مقدار للأموال في هجوم أمثال هذه الأهوال لو مست إليها الحاجة، وأموال الدنيا لو قوبلت بقطرة دم لم تعدلها ولم توازها. . فالأموال في هذا المقام من المستحقرات. . وأموال العالمين


(١) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ١/ ٨٧.
(٢) المغني، ٩/ ٢٣٩.
(٣) انظر: المبسوط، ١٠/ ٨٧.
(٤) عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجُويني، أبو المعالي، المعروف بإمام الحرمين، ولد في جوين من نواحي نيسابور سنة ٤١٩ هـ، أعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي، صنف في كل فن، توفي بنيسابور سنة ٤٧٨ هـ، من مآثره: الإرشاد والورقات، انظر ترجمته: وفيات الأعيان، ٣/ ١٤١ - ١٤٤، وسير أعلام النبلاء، ١٨/ ٤٦٨، والأعلام، ٤/ ١٦٠.

<<  <   >  >>