للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فدل هذا على جواز الموادعة مع الكفار ولو بدفع مال لهم عند الضعف، وأما عند القوة فلا تجوز؛ لأنه لما قالت الأنصار ما قالت، عَلِمَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم القوة فشق الصحيفة، ودل على أن دفع المال للكفار فيه معنى الاستذلال، ولأجله كرهت الأنصار دفع بعض الثمار، والاستذلال لا يجوز أن يرضى به المسلمون إلا عند تحقق الضرورة (١).

الدليل الثاني: أن في دفع المال للكفار في حال الاستضعاف وتحقق الضرورة دفعًا لشر الكفرة الحال، وفرصة للاستعداد لمواجهتهم في المستقبل، فيكون دفعًا لأعلى المفسدتين (٢)، وفي هذا إعمال لقاعدة: "الضرر الأشدُ يُزال بالضرر الأخف" (٣).

قال ابن العربي رحمه اللَّه (٤): "قال علماؤنا: أوجب اللَّه سبحانه في هذه الآية (٥) القتال؛ لاستنقاذ الأسرى من يد العدو مع ما في القتال من تلف النفس، فكان بذل المال في فدائهم أوجب، لكونه دون النفس وأهون منها" (٦).


(١) انظر: شرح السير الكبير، محمد بن أحمد السرخسي، الشركة الشرقية للإعلانات: لبنان، ط ١، د. ت، ٥/ ١٦٩٥.
(٢) انظر: بدائع الصنائع، ٧/ ١٠٩، وروضة الطالبين، ١٠/ ٣٣٥.
(٣) انظر: قواعد لأحكام في مصالح الأنام، ١/ ٩٨، وغمز عيون البصائر، ١/ ٢٨٦، ودرر الحكام، ١/ ٤٠، وشرح القواعد الفقهية، ص ٣١٣ - ٣١٧.
(٤) محمد بن عبد اللَّه بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر القاضي من حفاظ الحديث، ولد في إشبيلية سنة ٤٦٨ هـ وولي قضائها، ورحل إلى المشرق وصنف في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ، توفي قرب فاس ودفن بها سنة ٥٤٣ هـ، من مآثره: أحكام القرآن، والقبس في شرح موطأ ابن أنس، وعارضة الأحوذي في شرح الترمذي، والعواصم من القواصم، انظر ترجمته: الديباج، ص ٢٨١، ووفيات الأعيان، ٤/ ١١٦ - ١١٧، والأعلام، ٦/ ٢٣٠.
(٥) أي قوله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}، [سورة النساء، الآية ٧٥].
(٦) أَحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، ١/ ٥٨٤.

<<  <   >  >>