للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها، وبالأمر الوارد باضطرارهم إلى أضيق الطريق (١)، ولم يجعل لهم حقًا في الطريق المشترك عند تزاحمهم مع المسلمين، فكيف يجعل لهم حقًا إلى انتزاع ملك المسلم منه قهرًا، بل هذا تنبيه على المنع من انتزاع الأرض من يد المسلم وإخراجه منها لحق الكافر لنفي ضرر الشركة عنه، وضرر الشركة على الكافر أهون عند اللَّه من تسليطه على إزالة ملك المسلم عنه قهرًا، ولأن حق الشفعة للذمي يتضمن مع إضراره بالمسلم إضرارًا بالدين، وتملك دار المسلمين منهم قهرًا وشغلها بما يُسخط اللَّه بدل ما يرضيه وهذا خلاف قواعد الشرع، كما أن الذمي تبع لنا في الدار وليس بأصل من أهل الدار، وتملكه فيها من باب الضرورة (٢). فإن كان هذا الأمر في شأن الذمي الذي هو من رعايا الدولة الإسلامية وتبع لها ويدفع الجزية مع الصغار، واختلاف الفقهاء في مسألة حق الشفعة للذمي فيه إشارة لعدالة الإسلام معهم، وذلك الخلاف في حال الأمن من شرهم وخضوعهم لأحكام المسلمين، فكيف الحال ببيع الأرض أو الدار للكافر المحارب؟.


(١) لما رواه أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه)، أخرجه الترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة، رقم: ٢٧٠٠، وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن حبان في صحيحه، ٢/ ٢٥٣، رقم: ٥٠٠، قال ابن حجر رحمه اللَّه في فتح الباري، ١١/ ٤٠: "معناه لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراما لهم واحتراما، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى، وليس المعنى إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى لهم وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب".
(٢) انظر: اقتضاء الصراط، ١/ ٢٤٢ - ٢٤٣، وأحكام أهل الذمة، ١/ ٥٩١ - ٥٩٣، والمغني، ٥/ ٢٢٤.

<<  <   >  >>