للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلما غَيْرِي وَغَيْرَكِ، فلما دخل أرضه رَآهَا بعض أهل الجبار أتاهُ، فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها فأتى بها، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يَتَمَالَكْ أن بَسَطَ يَدَهُ إليها، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً، فقال لها: ادْعِي اللَّه أن يُطْلِقَ يَدِي ولا أَضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَةِ الْأُولَى، فقال لها مثل ذلك، ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَبْنِ، فقال: ادْعِي اللَّه أن يطلق يُطْلِقَ فلك اللَّه أن لا أَضُرَّكِ، ففعلت، وأطلقت يده، ودعا الذي جاء بها، فقال له: إنك إنما أتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ، ولم تَأْتِني بإنسان، فَأَخْرِجْهَا من أرضي وَأَعْطِهَا هاجر، قال: فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم عليه السلام انْصَرَفَ، فقال لها: مَهْيَمْ، قالت: خَيْرًا كَفَّ اللَّه يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا، قال أَبو هريرة: فتلك أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) (١).

ومن فوائد الحديث: "مشروعية أخوة الإسلام، وإباحة المعاريض، والرخصة في الانقياد للظالم والغاصب، وقبول صلة الملك الظالم، وقبول هدية المشرك، وإجابة الدعاء بإخلاص النية، وكفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح" (٢)، قال النووي رحمه اللَّه: "وهذا كذب جائز بل واجب؛ لكونه في دفع الظالم فنبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم" (٣).

وحكمها للمستضعف أنها جائزة عند الحاجة، أما لغيره فالضابط أن كل ما وجب بيانه حرم التعريض فيه؛ لكونه كتمان للحق وتدليس كالإقرار والشهادة والعقود ووصفها والفتوى والقضاء ونحوه، وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز، بل واجب بالنسبة


(١) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [لنساء: ١٢٥]، رقم: ٣١٧٩، ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، رقم: ٢٣٧١.
(٢) فتح الباري، ٦/ ٣٩٤.
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٥/ ١٢٤.

<<  <   >  >>