ولا يلزم من استضعاف المسلم أن يستعمل التقية في كل شؤونه وأحواله بل قد يعيش مع الكفار دون حاجة إلى ذلك، قال ابن تيمية رحمه اللَّه:"فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه، مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه، وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون، وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه، وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر، فهذا لم يبحه اللَّه إلا لمن أكره بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر، واللَّه تعالى قد فرق بين المنافق والمكره. . . بل المسلم يكون أسيرا أو منفردا في بلاد الكفر، ولا أحد يكرهه على كلمه الكفر ولا يقولها، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار؛ ليظنوه منهم، وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل يكتم ما في قلبه، وفرق بين الكذب، وبين الكتمان، فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره اللَّه في الإظهار، كمؤمن آل فرعون، وأما الذي يتكلم با لكفر فلا يعذره، إلا إذا أكره، والمنافق الكذاب لا يعذر بحال، ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب، ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون دينه، وهو مع هذا مؤمن عندهم يحبونه ويكرمونه؛ لأن الإيمان الذي في قلبه يوجب أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح وإرادة الخير بهم، وإن لم يكن موافقالهم على دينهم، كما كان يوسف الصديق يسير في أهل مصر، وكانوا كفارا، وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، ومع هذا كان يعظم موسى"(١).