للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آثروا التدجن والبقاء تحت سلطان النصارى إما لعدم قدرتهم على الهجرة، أو لاختيارهم البقاء لوجود نوع من التسامح النسبي والسماح لهم بممارسة الشعائر الإسلامية؛ لكونهم صفوة المجتمع في العلوم والفنون والمهن والتجارة والزراعة مما اضطر النصارى لتشجيعهم على البقاء للاستفادة فنهم، لم يدم هذا الأمر طويلًا فسرعان ما اشتعلت النزعة الصليبية ضد المسلمين (١)، لتأتي المرحلة الثانية في التعامل مع المسلمين، وذلك عندما قضي على الحكم الإسلامي في آخر معاقله بغرناطة سنة ٨٩٧ هـ / ١٤٩٢ م عندما استسلم أبو عبد اللَّه (٢) ووافق على تسليم البلاد للنصارى، ولو أن المعاهدة التي وقعها معهم طبقت لأمكننا أن نصف حال المسلمين بالأندلس بأنه استضعاف جزئي -بناء على شروط المعاهدة التي تضمنت حفظ الكثير من حقوقهم وضمان بقاء شعائرهم ومساجدهم


(١) انظر: موقف الدولة العثمانية تجاه مأساة المسلمين في الأندلس، د. عبد اللطيف محمد الحميد، ط ١، د. ن، ١٤١٤ هـ، ص ٢٣ - ٢٤.
(٢) محمد (أبو عبد اللَّه) بن علي (أبى الحسن) من بني الأحمر، الأنصاري الخزرجي آخر ملوك الأندلس، ويسميه الأسبان " Boabdil" بو أبدل، ولد بغرناطة، وحضر بعض الوقائع ضد الأسبان فأسروه سنة ٨٨٨ هـ، وعمي أبوه فضعف عن إدارة الملك، فخلع نفسه وقدم أخا له اسمه محمد يعرف بالزغل سنة ٨٩٠ هـ فلما وجد الأسبان بالزغل قوة أفرجوا عن ابن أخيه (أبي عبد اللَّه) وتحالفوا معه فدخل غرناطة وبايعه أهلها وقاتل عمه مستعينًا بالأسبان، وانتهى أمر الزغل بعد حروبه مع الأسبان بأن صالحهم وخدمهم، ثم ركب البحر واستقر في تلمسان، ثم طلب الأسبان من أبي عبد اللَّه أن يقيموا لهم قوة في الحمراء (بغرناطة) فرفض، فنقضوا الصلح معه، وقاتلوه سنين، وحاصروا غرناطة فجاع أهلها وقد أنهكتهم الغارات، فاجتمع زعماؤها عنده وأشاروا بالصلح، فعقده من ٦٧ مادة، ولم يلبث الأسبان أن نقضوا الصلح وأمروه بالرحيل فركب البحر واستوطن بمدينة فاس وتوفي سنة ٩٤٠ هـ/ ١٥٣٣ م، قال المقري: و"عقب هذا السلطان بفاس إلى الآن، وعهدي بهم يأخذون من أوقاف الفقراء والمساكين ويعدون من جملة الشحاذين"، انظر: الأعلام، ٦/ ٢٩٠.

<<  <   >  >>