كما يمكننا أن نمثل لهذا النوع من الاستضعاف بواقع المسلمين في روسيا "الاتحاد السوفيتي" سابقًا، فقد تبنت الحكومة الروسية سياسة تسامح نسبي مع المؤسسات الإسلامية وتجنبت مواجهتهم في البداية، حتى جاء عام ١٩٢٤ م فألغيت المحاكم الشرعية، وفي عام ١٩٢٨ م أغلقت جميع المدارس الإسلامية، وفي عام ١٩٣٠ م صودرت آخر ممتلكات الأوقاف، وامتد الهجوم المباشر على المسلمين، ومن الأمثلة على ذلك ما جرى سنة ١٩٢١ - ١٩٢٢ م حيث مات مليون مسلم قازاخي بسبب المجاعة بعد طردهم من مزارعهم ومراعيهم ومصادرة أموالهم، وفي المدة الممتدة من سنة ١٩٢٦ إلى ١٩٣٩ م مات مليون آخر بمجاعة أخرى، وهذا ما يعادل ثلث الشعب.
وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، اضطرت الحكومة أن تظهر التسامح مع المسلمين أثناء الحرب للاستفادة منهم في القتال، وكان لوسائل الإعلام دور كبير في التحريض على المسلمين ويكفي أن نعلم أنه منذ عام ١٩٥٤ إلى ١٩٦٤ م تم نشر ٩٢٠ مؤلفًا ضد الإسلام بلغات مختلفة (١)، وهكذا أوضحت النماذج السابقة أن الاستضعاف الجزئي امتد حتى وصل إلى الاستضعاف الكلي.
* * *
(١) انظر: المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي، ألكسندر بينيغس، وثانتال لوميرييه كيلكجاي، ترجمة: عبد القادر ضللي، بيروت: دار الفكر المعاصر، ط ١، ١٤٠٩ هـ، ص ١٥٥ - ١٦٠، المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، محمد علي البار، جدة: دار الشروق، ط ١، ١٩٨٣ م، ١/ ٣٢٣.