للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصدرها، فإن اللَّه تعالى لم يقبل قولهم في الاعتذار به، فدل على أنهم كانوا قادرين على الهجرة من وجه ما، وعفا عن الاستضعاف الذي لا يستطاع معه حيلة ولا يهتدى به سبيل، فالمستضعف المعاقب في صدر الآية هو القادر من وجه، والمستضعف المعفو عنه في عجزها هو العاجز من كل وجه (١). قال القرطبي رحمه اللَّه: "الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل سبيل المدينة، فيما ذكر مجاهد والسدى وغيرهما، والصواب أنه عام في جميع السبل" (٢). و" {حِيلَةً} من الحيل فإنها نكرة في سياق النفي فتعم جميع أنواع الحيل" (٣).

المظهر الخامس: قلة العدد:

قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ. .} (٤)، أي: يستقلون، أو يستذلون (٥)، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (٦)، ولهذا فإن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما قاتل المشركين في مكة قال لهم: (يا أعداء اللَّه! واللَّه لو قد بلغنا بثلاث مائة، لقد أخرجناكم منها) (٧).


(١) انظر: أسنى المتاجر، ١/ ٢٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، ٥/ ٣٤٧.
(٣) الفتاوى، ٥/ ٥٧٥.
(٤) سورة الأعراف، الآية [١٣٧].
(٥) النكت والعيون (تفسير الماوردي)، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، د. ت، ٢/ ١٢.
(٦) سورة الأنفال، الآية [٢٦].
(٧) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة، باب عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، رقم: ٤٤٩٣، ٣/ ٩١، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>