للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصحابة الكرام -رضي اللَّه عنهم- عن تداعي الأمم فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (لا، بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن اللَّه في قلوبكم الوهن)، قالوا: وما الوهن يا رسول اللَّه؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت)، وفي رواية: (وكراهية القتال) (١). والمراد أن الكفار وأمم الضلالة تقرب أن يدعو بعضهم بعضًا إلى الاجتماع لقتال المسلمين وكسر شوكتهم ليغلبوا على ما ملكوه من الديار، وحالهم كحال الفئة الآكِلَة عندما تتداعى إلى قصعة الطعام للأكل من غير مانع فيأكلونها صفوًا من غير تعب، ونفى عليه الصلاة والسلام أن يكون هذا التداعي بسبب قلة العدد، بل بين أن السبب هو الغثاء الذي يصيب الأمة، والغثاء هو ما يحمله السيل من زبد ووسخ وشبههم به لقلة الشجاعة ودناءة القدر، والوهن هو الضعف (٢). ففي الحديث: "التحذير من الكثرة التي سببت فشل الأمة الإسلامية وجرأة أعدائها عليها، ليس لمجرد الكثرة بل لكراهية كل فرد الموت، باندماج الأعداء والمرجفين فيهم، واتحادهم مع الجبناء، فيصعب التحري، ويتكل كل فاقد العزيمة على غيره لتسلم له حياة قصيرة وإن كانت تعسة، فنزع اللَّه من قلوب العدو المهابة من المسلمين، وهي أقوى دواعي النصر وسبب سرعة انتشار الدين في بادىء أمره" (٣).


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم: ٤٢٩٧، وأحمد، ٢/ ٢٧٨، وابن أبي شبية، ٧/ ٤٦٣، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، ٧/ ٥٦٣: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه وإسناد أحمد جيد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة"، ٢/ ٦٤٧.
(٢) انظر: عون المعبود، ١١/ ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٣) سر انحلال الأمة العربية ووهن المسلمين، محمد سعيد العرفي، دمشق: مؤسسة الرسالة، ط ٢، ١٩٦٦ م، ص ١٥٢.

<<  <   >  >>