وبفضل الله، ثم بفضل هذه الجهود المبذولة، التي فنيتْ فيها الأعمار، وتجشَّمتْ من أَجْلها الأخطار، وأوثر في سبيلها الإعْسار على الإيسار: وصلت إلينا «السنَّة» مكلوءةً، محفوظةً، مخدومة، لينصَبَّ جهدنا على تعلُّمها، والانقياد لها، والدعوة لها، والدعوة إليها.
ولم تزلْ بحمد الله وتوفيقه وإعانته - في كلّ عصرٍ من العصور - طائفة تصرف هَمَّها وتنُشِّئْ أبناءها على العناية العظيمة بالسنَّة النبوية، لا فرقَ في ذلك بين شيءٍ منها، الكل يؤتى به كما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، بضابطه الشرعي الوارد في الحديث الصحيح:«وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
يدعون إلى الأخذ بالسنَّة، والحرص عليها، جملةً وتفصيلاً، وينكرون على منْ حاد عن هذا الطريق بأي نوع من أنواع الحيدة، أولئك الذين قال فيهم أبو عبد الله الحاكم:
«قومٌ سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلَفِ من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسننِ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أجمعين ... فعقولهم بلذاذة السنَّة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة؛ تعلّمُ السَنن سرْوْرُهم، ومجالسُ العلم حبورهم، وأهل السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم»(١).
إلا أنَّ هذه الطائفة - المنصورة الناجية - لا تَسْلَمْ في كلّ عصرٍ من جاهلٍ أو صاحب هوى يكيد لها المكائد، وينصب لها العِداء، ويلصق بها أعظم الفِرَى.