للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجوهِ بنصٍّ، وخلَقَها اللهُ صحيحةً سليمةً، فإذا نزلَتْ عليها شرائِعُه، فَهِمَتْ هذه الفطرةُ تلك الشرائعَ بلا تفسيرٍ، وتطابقَتْ معها كتطابُقِ أغطيةِ الأقلامِ على الأقلامِ؛ فمثلاً:

اللهُ يأمُرُ بأنْ يأخُذَ الإنسانُ زينَتَهُ عند كلِّ مسجدٍ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]، لكنَّه لا يفسِّرُ له تلك الزينةَ؛ لأنه مطبوعٌ على معرفتِها بنَظَرِه.

ويأمرُهُ بتحسينِ الصوتِ بالقرآنِ؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ) (١)؟ لكنَّه لا يُفسِّرُ له ما الصوتُ الحسَنُ مِن القبيحِ؛ لأنَّه مطبوعٌ على معرفتِه بسمعِه وحِسِّه.

ويأمرُهُ بالتطيُّبِ بالرائحةِ الحسنةِ، ولكنْ لا يُفسِّرُ اللهُ له ما الرائحةُ الطيبةُ مِن الخبيثةِ؛ فلن تُعرَفَ بدليلٍ أكثرَ مما هو مطبوعٌ عليه بشَمِّه.

وإذا تغيَّرتِ الفطرةُ التي طُبعَ عليها الإنسانُ، فلن يفهَمَ الأوامِرَ الشرعيةَ التي أمرَهُ اللهُ بها، حتى تُعدَّلَ الفطرةُ عنِ انتكاستِها؛ لتستوعِبَ؛ كالإناءِ المقلوبِ لا بُدَّ مِنْ تعديلِه حتَّى يستوعِبَ ما يوضعُ فيه؛ لهذا شدَّد اللهُ


(١) أخرجه أبو داود (١٤٦٨)، والنسائي (١٠١٥ و ١٠١٦)، وابن ماجه (١٣٤٢)؛ مِن حديثِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رضي الله عنه.

<<  <   >  >>