للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن يختلِفُ الناسُ في حدودِ هذه الفطرةِ، وفي حجمِ ما يُستَرُ مِن البَدَنِ؛ بحَسَبِ ما يحكُمُهم مِن نقلٍ أو عقلٍ أو عرفٍ، أو ما يَحرِفُهم مِن شَهَواتٍ أو شُبُهاتٍ.

ولما كانت فطرةُ السترِ تتجاذبُها العقولُ، وأهواءُ النفوسِ وشبهاتُها، وتزيينُ الشيطانِ على الإنسانِ، جاءتِ الشريعةُ مِن اللهِ ضابطةً له وحاكمةً عليه بنصوصٍ كثيرةٍ في جميعِ الشرائعِ، ورسالاتِ الأنبياءِ على كلِّ الأُمَم، وتواتَرَ هذا في القرآنِ والسُّنَّةِ، وقد بيَّن اللهُ أنَّ كشفَ العوراتِ وظهورَ المفاتِنِ غايةٌ قديمةٌ لإبليسَ وذُرِّيَّتِه مع آدَمَ وذُرِّيَّتِه؛ كما قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: ٢٧].

والشرائعُ أقوى هَيْبةً وحفظاً مِن العاداتِ في نفوسِ الناسِ، حتى وإنْ قصَّروا في دينِهم في العملِ الظاهِرِ؛ إلا أنَّ عاداتِهم تتغيَّرُ كثيراً عبرَ القرونِ، ويبقى دينُهم محفوظاً بهَيْبَتِه في النفسِ، يذهَبُون ويَرْجِعُون إليه، وأمَّا العاداتُ الخالصةُ فإنْ ذهبَتْ فغالباً لا تعودُ.

ولما كان السترُ عمومًا -وحجابُ المرأةِ خصوصاً- عبادةً ربانيَّةً تمتزِجُ مع الفطرةِ البشريةِ، كان مِن وسائلِ

<<  <   >  >>