وهذا خطأٌ؛ بل هم مُتَّفِقُونَ على وجوبِ التغطيةِ؛ لكنَّهم يختَلِفُون في تعليلِ حكمةِ التغطيَةِ: هل لأنَّه عورةٌ فيُسْتَرَ لذاتِه، أو لأجلِ فتنةِ الناظِرِ فيُغَطَّى لأجلِ غيرِه؟ ويتفِقُون في الغايةِ وهي التغطيةُ، ويُرخِّصُ الجميعُ للقاضي أن ينظُرَ للشاهدةِ في الخصومةِ إنْ أنكَرَها خصمُها، أو عندَ عدمِ حفظِ الحقوقِ إلا بمعرفةِ حالِها، أو عندَ إرادةِ الرجلِ خِطْبةَ المرأةِ لنكاحِه بها، أو تعامُلِ الرجلِ مع الأَمَةِ في البيعِ عندَ خشيةِ فَوْتِ الحقِّ؛ فيَذكُرُ الأئمةُ جوازَ نظرِ الرجلِ إليها في هذه الأحوالِ وشبهِها، ويعلِّلُ الجمهورُ جوازَ ذلك بقولِهم:» لأنَّ وجهَها وكفَّيْها ليسا بعورةٍ»؛ فيحمِلُون قولَهم على عورةِ النظرِ، والأئمةُ يريدونَ: إنَّما جازَ ذلك لأنَّ الوجهَ ليس بعورةٍ يُسْتَرُ لذاتِه، وإنَّما لغيرِه، فقامتِ الحاجةُ في غيرِه للنظرِ إليه، فجازَ؛ لأنَّ الحاجةَ لا تجيزُ النظرَ إلى الشعرِ والنحرِ بأيِّ حالٍ؛ لأنَّهما عورةُ سَتْرٍ يُستَرانِ لذاتِهما، لا لأجلِ فتنةِ الناظرِ بهما، فلا يَحِلُّ كشفُ ذلك لا لعجوزٍ ولا لامرأةٍ ولو كانتْ قبيحةً مريضةً شوهاءَ.
وعلى هذا حمَلَ البيهقيُّ قولَ الشافعيِّ في تفسيرِ قولِه:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور: ٣١]؛ الوجهَ والكفَّيْنِ، فنقَلَ البيهقيُّ كلامَ الشافعيِّ في النظرِ إلى المخطوبةِ؛