تصِلْ إلى الشَّرِّ التامِّ؛ ففَرْقٌ بين تأليفِ المُقْبِلِ وتحذيرِ المُدْبِرِ، فشاربُ الخمرِ والدُّخَانِ، إنْ ترَكَ الخمرَ وحدَه مُدِحَ، وتاركُ الخمرِ والدخانِ، إنْ شَرِبَ الدخانَ وحدَه ذُمَّ، ولو كانَا جميعاً عند المدحِ والذمِّ سواءً، ولكنَّ هذا مُقْبِلٌ فاستحَقَّ المَدْحَ، وهذا مُدْبِرٌ فاستحَقَّ الذَّمَّ.
وإن كانتِ الفروعُ تَصُدُّ عن الأصولِ، سُكِتَ عنها، ولا يجوزُ صَدُّ الناسِ عن أصولِ دينِهم بها، فإنْ تمكَّنَ الناسُ مِن الأصولِ، قَبِلُوا الفروعَ وأذعَنُوا لها، وأن لم يتمكَّنُوا زادَتْهم الفروعُ صدّاً، وقد روَى ابنُ سعدٍ في «الطبقات»؛ أنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ كَتَبَ وهو خليفةٌ إلى عامِلِه على خُرَاسانَ الجَرَّاحِ بنِ عبدِ الله الحَكَمِيَّ يأمُرُه أن يدعُوَ أهلَ الجزيةِ إلى الإسلامِ، فإنْ أسلَمُوا قَبِلَ إسلامَهم، ووضَعَ الجزيةَ عنهم، وكانَ لهم ما للمسلِمِين، وعليهم ما على المسلِمِين، فقال له رجلٌ مِن أشرافِ أهلِ خُرَاسانَ: إنَّه واللهِ ما يَدْعُوهم إلى الإسلامِ إلا أنْ توضَعَ عنهم الجزيةُ، فامتَحِنْهم بالخِتَانِ، فقال: أنا أرُدُّهم عن الإسلامِ بالختانِ؟ هم لو قد أسلَمُوا، فحَسُنَ إسلامُهم، كانُوا إلى الطُّهْرَةِ أسرَعَ، فأسلَمَ على يَدِه نحوٌ مِن أربعةِ آلافٍ (١).