أن يكونَ القرنُ الواحدُ للشعوبِ لديه ما ليومِ الواحدِ، فأخذَ ينظُرُ إليهم يَتقلَّبُونَ في لباسِهم وهيئاتِهم، ومآكِلِهم ومشارِبِهم، وألسنَتِهم ومساكِنِهم، لظهَر له أنَّ آخِرَ قَرْنِهم لا يعرِفُ ما كان عليه أوَّلُه، وكلٌّ يَظُنُّ أنَّه مُتَّصِلٌ بمَن سبَقَه، وهو يَتقلَّبُ ببُطْءٍ وهو لا يشعُرُ، ولولا أنَّ القرآنَ يَقُصُّ والتاريخَ يُكْتَبُ، لظَنَّ الناسُ اليومَ أنَّهم على ما كان عليه أبوهم آدَمُ.
ولهذا؛ فلا عبرةَ بما عليه الأُمَمُ والشعوبُ والدُّوَلُ، فإنَّ للواقِعِ المُشاهَدِ تأثيراً على فقهِ الفقيهِ، فضلاً عن جهالةِ الجاهلِ، فيظُنُّ الجاهلُ أنَّه حينَما يفتَحُ عينَيْهِ على لباسِ أهلِه أو بلدِه، أنَّ هذا الأمرَ متسلسِلٌ على ما كانَ عليه الناسُ في زمَنِ النبوَّةِ، وربما يتأثَّرُ بعضُ الفقهاءِ والكُتَّابِ بالواقعِ، فيحمِلُه على ترجيحِ قولٍ على قولٍ، أو تغييرِ قِيَمِ الأقوالِ لِيناً وشِدَّةً، حتى رأيتُ أحدَ محقِّقِي أحدِ كتبِ السُّنَّةِ يُغَيِّرُ ما في المخطوطِ في تعليقِ أحدِ الأئمةِ السابقينَ على أحدِ الأحاديثِ النبويَّةِ مِنْ:«كشف وجهها حراماً» إلى: «كشف رأسها حراماً»، فحذَفَ الوجهَ، وأبدَلَه بالرأسِ، كما في كتابِ «شرح مُشْكِلِ الآثار» للطَّحَاوِيِّ (١)؛ ويدُلُّ على حسنِ قصدِ المحقِّقِ: أنَّه نبَّه في الحاشيةِ على