المرأةِ لوَجْهِها، وهو يُجالِسُ العارياتِ بلا نَكِيرٍ، أو يرى السُّفُورَ يَنْتشِرُ والحِشْمةَ تَنْحسِر، ويندفعُ بحماسٍ للتهوينِ مِن الفضيلةِ ويسكُتُ عن الرذيلةِ بحُجَّةِ الخلافِ؛ فهؤلاءِ يسلُكُون طرائقَ المنافقينَ السابقِينَ الذين يستغِلُّونَ مسائلَ الفروعِ وسيلةً لهدمِ الأصولِ وضربِها.
فقد كان المُنافِقُونَ يَتكاسَلُونَ عنِ الصلاةِ جماعةً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يذكُرُون اللهَ إلا قليلاً:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: ١٤٢]، ومع كَسَلِهم عن الفضائلِ، اندَفَعُوا لبناءِ مسجدٍ في المدينةِ، ورفَعُوا فيه الأذانَ بمواقيتِه، وأقامُوا الصلاةَ، وهذا العملُ فضيلةٌ في ذاتِهِ لو فعَلَهُ غيرُهم مِن أهلِ الحرصِ على الأصولِ وتعظيمِها، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَفصِلْ فضيلةَ بناءِ المسجدِ عن سياقاتِهِ وحالِ مَن بناهُ وسيرتِهم ومَواقِفِهم المُشابِهةِ، ولم ينظُرْ إليه نظرةً فرعيَّةً كمسجدَيْنِ متجاوِرَيْنِ في بلدٍ تحكُمُ قربَهما المصلحةُ؛ وإنما رآه مسجِدَ ضِرَارٍ، مع أنَّ في المدينةِ مساجدَ أُخرى أَذِنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ببنائِها وصلَّى هو فيها، ولكنَّ المنافقينَ اتَّخَذوا فعلَهم للفضيلةِ باباً لغايةٍ أُخرى مِن الرذيلةِ، وهي شقُّ صفِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَن حولَه، فنَظَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى