التطور فإن من الواجب أن نمر بها سريعاً، فلقد كان الدبلوماسي الهندي (بانيكار) يعتقد أنها ضرورية دون شك باعتبارها (وحدة أساسية) تجعل منها باندونج نقطة انطلاق للفكرة الآفرسيوية، بيد أنه كان يعتقد أيضاً أنها غير كافية، إذ كان ينظر في الوقت نفسه إلى هذا الاجتماع على أنه ((اجتماع لعناصر غير متوافقة)). فمن الواضح أن مبدأ كهذا لا يكفي على الرغم من تأثيره المؤقت، أليس هو الذي ألهم الشعوب المستعمرة خلال فترة تحريرها تضحيات نبيلة وأعمالاً نزيهة؟
وهو الذي ألهمها أخيراً تلك الملحمة العظمى، ملحمة (الساتيا جراها) أو طريق الحقيقة الذي حرر الهند؟
لكن هذه المرحلة الحماسية حين تمر فإن نزعة معاداة الاستعمار لا تصلح أن تكون دافعاً سامياً، يحرك حضارة ويعطيها مثلها الأعلى ووثبتها الضرورية. وفضلاً عن ذلك فإن هذه النزعة إذا ما صفي مضمونها من (المشاعر الإيجابية) عبر الزمن، فقد لا تدع فيها هذه التصفية سوى (مشاعر سلبية)، تقوم على حقد الشعوب التي قاست ظلم طغاتها، بينما القضية ليست أن ننتزع العالم من موجة احتقار الكبار لنسلمه إلى حقد الصغار، ومن المطمئن في هذا السبيل أن قادة الثقافة الآفرسيوية يدركون ذلك جيداً، وهذا أحد كبارهم مولانا (أبو الكلام آزاد) قد تفضل فأعطانا شخصياً الدليل، حين أكد لنا فخامته:((إن مسؤولية التربية خطيرة، إذ ينبغي ألا تدع الحقد يتأصل في قلوب الجيل الجديد في الهند وعقولهم تحت ستار النزعة المعادية اللاستعمار)). ونحن نعتقد أن مهمة كهذه لا تخص المسؤولين عن توجيه الثقافة في وطن غاندي فحسب، بل تشمل جميع الأوطان الأفرسيوية، فهي تحدد لهذه الشعوب دونما لبس أو غموض طريق التحرر الداخلي، الذي يجب أن يكمل عملية التحرر السياسي والقومي بعملية التحرر الذاتي، أي في الإطار النفسي والأخلاقي، فإن الاستعمار لم يؤتر على