الرجل المستعمر في مفهومه السياسي، أي في علاقاته الاجتماعية فحسب، بل لقد أثر عليه في أعماقه وفي تكويناته الأساسية، حتى لقد وصل الى روحه وإلى ضميره في صورة حالات ذُهان، وحالات حرمان تشل عنده كل جهد خلاق، ولاسيما، في إفريقية الشمالية.
ومن المؤالم أن نرى الرجل المستعمر يقف دائماً في كتاباته موقف متهم أو متهَم، فإن هذا الموقف السلبي يسيء إلى (ذات) تكبت دائماً نقائصها، فلا تدعها تتفتح للحياة الجديدة.
فمشكلة التحرر يجب أن توضع إذن في الإطار النفسي، وسنكون قد صفينا هذه الحالات الذُهانية وصنوف الحرمان- بعض التصفية على الأقل- إذا ما خلّصنا الرجل الأفرسيوي من المشاعر السلبية التي أصابته بها نزعته المعادية للاستعمار، وأصابه بها حقده عليه.
وتبرز أهمية هذه المهمة النفسية في مشكلة الثقافة الأفرسيوية كلما ظهرت المهام الاجتماعية الضرورية إثر تحقق المطالب القومية، وكما أصبحت المقتضيات الإنسانية الدولية أكثر إلحاحاً.
إن مشكلة السلام والحرب تتطلب قرارات واضحة وصريحة، أما نزعة الحقد فهي عمياء، وهي بذلك لن تشجع بعض المساعي التي ينبغي أن تكون نزيهة لكي تكون فعالة.
فالثقافة الأفرسيوية لا يمكنها لأسباب مختلفة أن تجد إلهامها الجوهري في مجرد نزعة معادية للاستعمار، تختفي باختفاء سببها وهو: الاستعمار، فيجب أن تبحث عن روحها الأخلاقي في مجموع من القيم الروحية والتاريخية التي تُقرّها الشعوب الأفرسيوية بوصفها نوعاً من التراث، يشبه ما قدمته الإنسانيات الإغريقية اللاتينية إلى الغرب فوجد فيه دليل الطريق وزادها، والمصدر الذي