تناولنا مشكلة الثقافة فيما سبق بالنسبة لعناصرها الداخلية، أعني تلك التي تتصل بوجود مجتمع معين؛ كما تناولناها بالنسبة لمشكلاتها الاتصالية، وهي التي تتصل بتعايش مجتمعين أو أكثر، متشابهين في النموذج، كنموذج إفريقي آسيوي مثلاً، وهي مشكلات تنتج على حدودها نتيجة لاتصالهما وتواجههما.
وهذا يحدد- كما سبق أن عرضنا- مجالين متميزين، ينبغي على الثقافة أن تواجه في كل منهما مشكلات ذات طبيعة معينة.
فهي في أحدهما يجب أن تسجل أسلوب الحياة في مجتمع معين وسلوك أفراده، وهي في الآخر ينبغي أن تخلق إمكانيات اتصال وتعاون بين المجتمعات المختلفة.
ومع ذلك فإن نشاط الثقافة في المجال الأول يتم بصورة عادية، لأن يقظة الضمير أمام المشكلات الداخلية أو العضوية تتم هي الأخرى بصورة تلقائية.
أما يقظة الضمير أمام مشكلات الاتصال فقد ظلت غائمة زمناً طويلاً، ولذلك كان نشاط ثقافة معينة على حدودها أقل ظهوراً ولا يعطي ثمرة إلا في بعض الظروف التاريخية، وأحياناً تكون هذه الثمرات سلبية، أشبه بذلك التلفيق غير المنتظر الذي حاول الإمبراطور (أكبر) أن يحققه بالهند في القرن السادس عشر، بين الثقافة الإسلامية والثقافة البرهمية.
ومع ذلك فإن التطور الذي أعقب الحربين العالميتين قد أبرز كثيراً هذه الطائفة من المشكلات، كما تشهد بذلك محاولات كبرى، كمحاولة باندونج، حيث حاول المؤتمرون أن يضعوا لها حلولاً مناسبة.