لكن الحربين العالميتين قد عجلتا في الواقع هذا التطور، فأعطتا تلك المشكلات معنى أبعد مدى، حين أنشأت بصورة ما مجالاً ثالثاً، هو المجال الذي يتحتم فيه على كل ثقافة أدركت حقيقة مشكلاتها الداخلية والاتصالية، أن تدرك حقيقة مشكلات أخرى على مستوى عالمي.
ويبدو لنا أن منظمة اليونسكو لم تُنشأ إلا من أجل مواجهة هذا النوع من المشكلات، مهما شاب تفكيرها أحياناً جاذبية انطوائية تحول بينها وبين أن ترى الأشياء في هذا المستوى، وعلى ذلك نستطيع أن نحدد ثقافة معينة في حدود توقعها العالمي.
والصفحات التالية تعالج مشكلة الثقافة في ضوء هذا التوقع.
لقد استوحيت فكرة الكتابة في هذا الموضوع من الدعوة التي وجهتها إلي اللجنة التحضيرية لمؤتمر الكتاب الأفريقيين الذي انعقد بروما، حين دعتني إلى توجيه بلاغ إلى المؤتمر عن (الثقافة الإفريقية).
والتأملات التي تسجل في موضوع كهذا لا تهم- فيما يبدو لي- الرجل المثقف في إفريقية السوداء وحده، فسواء مضينا في الشوط على محور واشنطن - موسكو، أم على محور طنجة - جاكرتا، فإن مشكلات الساعة الحاسمة واحدة هنا وهناك، فإن تكامل النوع الإنساني وسلامه قد أصبحا أهم ما يهم نفسية القرن العشرين واجتماعه وسياسته إلى حد ما.
ونتيجة لهذا اتحدت المهمات الأساسية التي يتحمل عبئها الجيل الحالي في آسيا وفي إفريقية وفي أوروبا وفي أمريكا.
فالمثقف المسلم نفسه ملزم بأن ينظر إلى الأشياء من زاويتها الإنسانية الرحبة، حتى يدرك دوره الخاص ودور ثقافته في هذا الإطار العالمي.