للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمسلم بسبب عقدة تخلفه يرد هذه المسافة إلى نطاق (الأشياء)، أو هو بتعبير آخر يرى أن تخلفه متمثل في نقص ما لديه من مدافع وطائرات ومصارف.

وبذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليته الاجتماعية، إذ ينتهي من الوجهة النفسية إلى الشاؤم، كما ينتهي من الوجهة الاجتماعية إلى ما أطلقنا عليه (التكديس (١))، فلكي يصبح مركب النقص لديه فعالاً مؤثراً ينبغي أن يرد المسلم تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى (الأشياء)، فإن تطور العالم الجديد دائماً يتركز اعتماده على المقاييس الفكرية.

ولننظر كيف يفكر في هذا الصدد ممثلان من ممثلي (القوة)، أعني: رجلين يملك بلداهما أكبر قدر من الأشياء، ابتداء من الثلاجة الكهربية حتى الصاروخ.

ففي المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي الذي انعقد في موسكو أراد خروشوف أن يفحم خصومه فقال: "إن النجاح الاقتصادي هو أقوم مقياس لسلامة الأفكار"، فها نحن أولاء نرى فاعلية الأفكار في إطار اقتصادي قومي، أي عندما تكون الأفكار سليمة يصبح الاقتصاد ناجحاً.

أما في المجال الدولي فإن لدينا حكماً أصدره رجل آخر يمثل أيضاً عنصر القوة في المعسكر الغربي، فلقد نشر (جورج كينان) الدبلوماسي الأمريكي تحليلاً هاماً للوضع العالمي الراهن، كان قد ألقاه في عدة محاضرات، ثم نشره في كتاب بعنوان (روسيا والذرة والغرب)، وخلاصة ما ذهب إليه: أن هناك توازناً في القوى بين كلا الجانبين، وهذا التوازن يضطر كليهما إلى الكف عن الاعتداد بالأسلحة، وأن يكون اعتدادهما بالأفكار؛ ففي البلاد المتخلفة التي ما زالت حتى الآن ضمن مناطق النفوذ، لم يعد السلاح أو عائدات البترول بكافيين في تدعيم هذا النفوذ، وإنما هي الأفكار وحدها.

فالعالم قد دخل إذن في مرحلة لا يمكن أن تحل فيها أغلبية مشكلاته إلا على أساس نظم الأفكار، وفي مرحلة كهذه يتحتم على البلاد العربية والإسلامية أن تولي أكبر قدر من اهتهامها لمشكلة أفكارها، وخاصة تلك البلاد التي لا تملك كثيراً من أدوات القوة المادية.


(١) أنظر كتابنا (شروط النهظة)، فصل (من التكديس إلى البناء)

<<  <   >  >>