ومع ذلك فلكي نزيد في تحديد دور الأفكار في ظاهرة التثقيف، ينبغي أن نحدد في أي الظروف التاريخية والاجتماعية تؤدي دورها؟.
إن النشاط الاجتماعي والثقافي لفكرة ما، مرتبط في الواقع ببعض الشروط النفسية الاجتماعية التي بدونها تفقد الفكرة فاعليتها.
ففكرة (التقدم) مثلاً قامت بدور رئيسي في تاريخ القرن التاسع عشر، لأن إشعاعها في ثقافة أوروبا كان مؤيداً بفكرتين أخريين عاصرتاها هما: النظرية الوضعية لـ (أوجست كونت)، ونظرية التطور لـ (دارون). وقد وصل هذا الإشعاع العالم الإسلامي في مستهل القرن العشرين، حين نشأت رابطة سياسية في تركيا باسم (الاتحاد والترقي)، كما نشأت نواد أخرى في الجزائر فيما بين ١٩٢٠ - ١٩٣٠م باسم (نادي الترقي).
بيد أن هذه الفكرة التي أصيبت بصدمة خلال حرب ١٩١٤ - ١٩١٨، أصابتها ضربة قاتلة خلال الحرب العالمية الثانية، لم يعد لها أدنى وقع في أوروبا.
وليس معى هذا أن التقدم في ذاته بوصفه واقعاً قد انعدم في أوروبا، بل معناه أن إشعاعه بوصفه فكرة قوة فقد تأثيره في الثقافة الأوروبية، ففقد من أجل هذا فاعليته الاجتماعية.
ويمكن القول عامة: إننا إذا ما عرفنا تاريخ مجتمع معين، فسنجد أنه كما أن لديه مقبرة يستودعها موتاه، فإن لديه مقبرة يستودعها أفكاره الميتة، الأفكار التي لم يعد لها دور اجتماعي.
فالفكرة من حيث كونها فكرة ليست مصدراً للثقافة، أعني عنصراً صالحاً