فمن الطبيعي إذن أن نتساءل عن طبيعتها، وعن كيفية تكوينها لدى الفرد؟
فالفرد كما نعلم ينمي كيانه المادي في مجال حيوي ( Biosphère)، يمنحه منذ ميلاده العناصر الضرورية لنموه؛ فكأن هذه العناصر تذوب في بنية الفرد لتنميها، وهو انحلال يحدث بواسطة عمليات الهضم والتمثيل ودوران الدم والتنفس، الى غير ذلك مما نحدث علماء الحياة عن تفاصيله الكثيرة.
فلو جاز لنا من الوجهة الحيوية أن نفسر هذه العمليات على أنها تعبير عضوي عن الحياة، فإن هذه بدورها يمكن أن تفسر على أنها صلة بين الفرد وبين الوسط الذي ينمي فيه وجوده المادي، إذ أن هذه العمليات ليست في الواقع سوى أشكال متنوعة لعلاقته بالمجال الحيوي.
ولقد يقودنا هذا التصور إلى عالم آخر يستمد منه الفرد ما يحتاجه من عناصر النمو، لالكيانه المادي بل لكيانه النفسي.
والثقافة هي التعبير الحسي عن علاقة الفرد بهذا العالم أي بالمجال الروحي Noosphère الذي ينمي فيه وجوده النفسي، فهي نتيجة هذا الاتصال بذلك المناخ.
فالفرد إذا ما فقد صلته بالمجال الحيوي قررنا أنه مات موتاً مادياً، وكذلك الأمر إذا فقد صلته بالمجال الثقافي فإنه يموت موتاً ثقافياً.
فالثقافة إذن- إذا ما رددنا الأمور إلى مستوى اجتماعي- هي حياة المجتمع التي بدونها يصبح مجتمعاً ميتاً.
ولقد لاحظنا حين عقدنا موازنة بين الطبيب الإنجليزي أو الفرنسي وبين زميله المسلم- فيما يتعلق بجانب الفاعلية الاجتماعية- أن الفرق بينهما لا يمكن أن