ونظرة إلى ما حولنا تكفينا لكي نلاحظ أن ضروب نشاطنا غالباً ما تتسم بالشلل وانعدام الفاعلية في الجانب الخاص أو العام.
ففي مدخل أحد مكاتب البريد رأيت مثلاً منظراً عجباً، رأيت رجلاً يحمل مظاريف كثيرة يحاول أن يرتبها، وبديهي أن نحس بحاجته إلى عتبة أو حافة شباك ليتمكن من أداء عمليته على ما يرام، لقد بحث الرجل فعلاً عن عتبة، وظننت أنه لا بد واضع عليها بريده، وضعاً يجعله يتخذ منها نضداً صغيراً أمامه، وشد ما كان عجبي حين وجدته بدلاً من أن يضع عليها بريده يقف عليها بقدميه ثم ينحني واضعاً الخطابات أوطأ من نعليه، في وضع يجعل عمله أشق وأكثر إجهاداً.
فإذا ما انتقلنا الى قطاع آخر نجد مثلاً أن مصلحة الهاتف في بعض البلاد قد أنشأت (الساعة المتكلمة) وتلك فكرة جميلة، ولكن لابد من شروط تجعلها نافعة فعالة، فقد يحتار صوت طفل وهو لطيف، أو صوت امرأة وهو ناعم رقيق، ولكن قد يختار أيضاً صوت رجل، لا لأنه أجمل، بل لأنه أوضح وأكثر تميزاً، فهو يضغط على المقاطع بطريقة أوضح، بينما تصبح تلك المقاطع في فم الطفل أو المرأة أقل وضوحاً بحكم الطبيعة.
لقد اختار المشرفون على ساعتنا المتكلمة صوت امرأة، فإذا بالمرأة تضيف إلى الخطأ الأساسي في الاختيار خطأ شخصياً، فلقد حسبت من الضروري أن تضغط على المقاطع التي تعبر عن الد ... قا ... ئق والثـ ... ـوا ... ني ... ، ولكنها نسيت ما هو أهم من ذلك: أن تضغط على الأرقام!!!.
فهذه أمثلة على انعدام المنطق العملي في جوانب مختلفة من حياتنا.
ونحن أحوج ما نكون إلى هذا المنطق لأن العقل المجرد متوفر في بلادنا، غير أن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه شيء يكاد يكون معدوماً.