أما في مستوى المجتمع الذي يعيش أزمة ثقافية فإننا نستطيع حصر العديد من الملاحظات، ويكفينا لذلك أن نرى بالعين المجردة ما يدور في حياته الاقتصادية والسياسية، ولكن تكفينا ملاحظة واحدة لما فيها من العبرة.
إننا لو وضعنا سلماً للقيم الثقافية، جنباً إلى جنب مع السلم الاجتماعي، لقررنا مبدئياً أن السلمين يتجهان في الاتجاه نفسه من الأسفل إلى الأعلى، أي أن المراكز الاجتماعية تكون تلقائياً موزعة حسب الدرجات الثقافية.
وهذه حقيقة نمارسها في حياة كل مجتمع ولو كان يواجه بعض الأزمة الثقافية، على شرط أنها لم تبلغ درجة (اللارجوع).
أما في المجتمع الذي بلغ هذه الدرجة فإن السلمين ينعكسان، الواحد بالنسبة للآخر انعكاساً تصبح معه القاعدة الشعبية على الأقل بمحافظتها على الأخلاق أثرى ثقافياً من قيادتها.
وهذه فيما أعتقد أشنع صورة للأزمة الثقافية التي لا تحل بمجتمع ما إلا صيرته عاجزاً عن حل مشكلاته داخل حدوده، وعن مواجهة مشكلات الجوار على حدوده، وبصورة أعم لا يستطيع التعايش دون عقد نفسية تعرض شخصيته للتلف أو كرامته للمهانة، بينما أصبح التعايش ضرورة حتمية في عالم تهيمن فيه التكنولوجية التي فرضت على كل مجتمع وجود الآخرين.