ترضعه، فينشأ في قطيع غزلان، مثل ذلك الإنسان الذي اكتشف في الأربعينات وشاهدته شوارع دمشق في تلك الفترة.
وهذه الحالة تكررت في صور وأماكن وأزمنة مختلفة، تكرراً كونت معه موضوع دراسة اجتماعية خاصة تحت عنوان ( L'enfant sauvage الطفل المتوحش).
والمهم في هذه الدراسة أنها تكشف عن تدهور (إنسانية) هذا الإنسان البائس حتى من الناحية الفيزيولوجية، إذ يفقد حتى الصلة الجنسية ولا يحاول استعادتها حتى بعد عودته الطارئة لمجتمع البشري.
إنه فقد إنسانيته بكل وضوح، ولكن هل أصبح مع ذلك في مستوى الحيوان؟
لاشك أن التكيف مع شروط الحياة المفروضة عليه جعله يتلقى بعض الدروس من وسطه الحيواني، فأصبح مثلاً يمشي على أربع ويقفز مثل الغزال، ولكن تكيفه لا يتعدى ولا يمكنه أن يتعدى هذا الحد، لأنه لا يستطيع أن يهب له الغريزة التي تهيمن على كل سلوك الحيوان الحقيقي في مواجهة كل ظروف حياته.
ولكن هذا الفرد الذي فقد إنسانيته في حالة نادرة لم يستطع، ولم يكن له أن يكتسب (حيوانية) خالصة، فلو أردنا أن نحدد مكانه في سلم الحياة لاضطررنا أن نضعه دون الحيوان، بينما كل إنسان ولو كان أقبح خلق الله يبقى فوق مستوى الحيوان بكثير.
وهذه أبشع صورة قطعاً للأزمة الثقافية في مستوى الفرد، وليست كما نرى تعبر عن قضية جهل أو علم، لأنها تمس الجوهر الإنساني في الفرد.