والحروب الصليبية على أية حال قد انفجرت على هذه الحدود، ولا ريب أنها نوع من التركيب الذي اتخذ وضعاً معكوساً؛ فللثقافات دارُ أمنها وإقامتها في مواطن حضاراتها، ولكن الأحداث التي تنتج عنها لها ميدانها بصفة عامة في (المنطقة الحرام) على حدودها.
ففي المنطقة الحرام (بالتبت) تم تركيب البوذية على حدود ثقافتين عظيمتين هما ثقافة الصين وثقافة الهند.
لكنا الآن نرى أن الإنسان قد أخذ شيئاً فشيئاً يفرض وجوده في مختلف الميادين، حيث كانت الأمور تجري من قبل في أعنتها.
فتحليل العناصر الإشعاعية كان يتم من قبل تلقائياً على يد الطبيعة، ولكن الإنسان قد أثبت وجوده في هذه السبيل، حين سيطر على هذا التحليل موجهاً إياه وجهة أهداف معينة.
وحين اتجه العالم إلى إنشاء منظمة اليونسكو، كان يهدف إلى السيطرة على عملية من نوع آخر، هي إحداث تكامل بين العناصر الثقافية لتحقيق (تركيب) ثقافة إنسانية على المدى البعيد.
فالمشكلة إذن تخضع لمشيئتنا الآن بصورة غير مباشرة، ولكن يبدو أن الأحداث هي التي تملي أحياناً محاولة الإنسان في هذا الميدان حين تحدد مغزاها.
فالذين ذهبوا إلى (باندونج) في إبريل عام ١٩٥٥م، لم يذهبوا هنالك لكي يضعوا ويحلوا مشكلة ثقافة، ولكن الأحداث ذاتها قد حددت معنى محاولتهم، فإذا بمهمتهم وقد أصبحت تحقيق برنامج ثقافي معين في إطار الاجتماعات الإفريقية الآسيوية، ولست أريد هنا أن أحلل هذا البرنامج، فقد يكون من السهل أن نلاحظ أن حظ الرجال من التأثير كان أقل من حظ الأحداث.