فالضير الإنساني الذي لم يألف العمل على حدود الثقافات، ما زال تسيطر عليه عادات جذبية مزمنة تحمله على أن يرى الأشياء من زاوية ضيقة (١).
بيد أن الأحداث تسير، وتتقدم معها المشكلات نحو حلها على نسق مسرَّعٍ يتفق وسرعة التاريخ.
فنحن مضطرون أحياناً إلى أن نفكر في هذا النقص الذي أصاب الإنسان، فقعد به عن ملاحقة توقيت التاريخ، وأن نفكر في سد هذا النقص.
فمحاولة كمحاولة اليونسكو تبدو كأنما أخذ الإنسان على نفسه أن يسد نقصه من طريقها، ومع ذلك فهي محاولة تتصل في جانبها الأكبر بشطر الإنسانية الذي يعيش على محور طنجة - جاكرتا، فقد وضع هذا المشكلة ليواجهها في باندونج، لكن الأحداث لم تنضج بعد ثمرة غرست شجرتها منذ وقت قريب.
وبوسع القارئ، بعد أن يطالع هنا محاولتنا التي أخلصناها لتركيب الثقافة، أن يجد في هذا العرض بعض الأفكار العامة عن إمكان استحداث تركيب أرحب، بين ثقافتين أو ثلاث، لها حدودها المشتركة على الخريطة، وقد يثور في ذهنه سؤال عن إمكان تعايش هذه الثقافات في صورة مشروع يدرك في مستوى جغرافي سياسي.
فباندونج قد لفتت انتباهنا إلى تعايش كهذا، ربما دون أن تحدد لنا المنهج. ولكن المشكلة على أية حال قد أعدت؛ وقد رأيت من واجبي أن أخصها بفصل مستقل في كتابي (فكرة الإفريقية الآسيوية)، حيث درست إمكان
(١) يستطيع المتتبع للاجتماعات الأفرسيوية منذ ثلاثة أعوام أن يلاحظ في أغلبية بياناتها- على الرغم من روعتها- خلوها من الاهتمام باستحداث تركيب معين، فنرى مثلاً أن الصيني يتحدث عن الصين، كما يتحدث العربي عن بلده وهكذا.