للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعند الشافعي لا يجوز. فإن قلت: كيف قال: (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) عند التعجل والتأخر جميعاً؟ قلت: دلالة على أنّ التعجل والتأخر مخير فيهما، كأنه قيل: فتعجلوا أو تأخروا.

فإن قلت: أليس التأخر بأفضل؟ قلت: بلى، ويجوز أن يقع التخيير بين الفاضل والأفضل، كما خير المسافر بين الصوم والإفطار، وإن كان الصوم أفضل. وقيل: إنّ أهل الجاهلية كانوا فريقين؛ منهم من جعل المتعجل آثما، ومنهم من جعل المتأخر آثما، فورد القرآن بنفي المآثم عنهما جميعاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ويجوز أن يقع التخيير بين الفاضل)، الانتصاف: التخيير بين الفاضل والمفضول يوجب التساوي وينافي طلب أحد الطرفين، وكيف يستقيم اجتماع ما طلب ورجح وجوده وما ليس كذلك؟ إنما الزمخشري أخل في التفسير فلزمه السؤال وهو غير لازم، فإن نفي الحرج عن الأمرين لا يلزم منه التخيير، وغايته: إشراكهما في رفع الحرج، لكن أحدهما مطلوب دون الآخر فلا يحتاج إلى الجواب، لاندفاع السؤال.

وقلت: ما نظر صاحب "الانتصاف" إلى المقام، فإن نفي الحرج إنما لا يوجب التخيير ابتداء، نظراً إلى اللفظ، وأما إذا كان مسبوقاً بخلاف فلا، ألا ترى كيف عطف على سبيل البيان قوله: "وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا فريقين" على قوله: "دلالة على أن التعجل والتأخر مخير فيهما"! ومما يواخي هذا المقام ما رويناه عن الشيخين وغيرهما، عن عروة: سألت عائشة: أرأيت قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) [البقرة: ١٥٨]، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه الآية لو كانت على ما أولتها كانت: لا جناح

<<  <  ج: ص:  >  >>