وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما عرفت ما فاطر السموات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: ابتدأتها.
(وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ): وهو يرزق ولا يرزق، كقوله:(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)[الذاريات: ٥٩]، والمعنى: أن المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع.
وقرئ:"ولا يطعم"؛ بفتح الياء. وروى ابن المأمون عن يعقوب:"وهو يطعم ولا يطعم"؛ على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل،
للإنكار، فيفيد توكيد الافتراء ومزيد تقريره، والله أعلم.
قوله:(أن المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع). يريد أن قوله تعالى: {وهُوَ يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ {من إطلاق أعظم الشيء على كله، كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى {[النساء: ١٠]، لأن أعظم المنافع عند الحيوان الطعم. وإنما عبر عن المنافع بالطعم، لأن قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ ولِيًا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وهُوَ يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ {جاء تقريراً للجواب السابق، وهو قوله: {قُل لِّلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ {إلى قوله: {وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ {.
يعني: قل لهم بعد ذلك التقرير: أغير الذي ذكرته من له ما في السموات وما في الأرض، والذي منه الرحمة العظمي أتخذ ولياً؟ فوضع: {يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ {، موازياً لـ {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ {تعييراً لهم، وأنهم لا يعرجون إلا إلى المعارف الوارفة من الطعم، واستيفاء الشهوات واللذات الجسمانية، كالبهائم.