للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: هلا قيل: أم صمتم؟ ولم وضعت الجملة الاسمية موضع الفعلية؟ قلت: لأنهم كانوا إذا حزبهم أمرٌ دعوا الله دون أصنامهم، كقوله: (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) [الروم: ٣٣]، فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم، فقيل: إن دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم، وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم.

[(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ)].

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي: تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) وقوله: (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) استهزاءٌ بهم، أي: قصارى أمرهم أن يكونوا أحياءً عقلاء، فإن ثبت ذلك فهم عبادٌ أمثالكم لا تفاضل بينكم، ثم أبطل أن يكونوا عباداً أمثالهم فقال: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله: (لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر): تلخيصه: أن قوله: (أدعوتموهم): جملة فعلية تدل على التجدد، وقوله: (أنتم صامتون) اسمية تدل على الثبوت والاستمرار، فعطفت لإرادة التجدد في الأولى، والثبات في الثانية؛ لأن كونهم صامتين عن دعوة الأصنام، إذا نابهم بلاء أو محنة، ثابت مستمر، ما شهد منهم قط أنهم: إذا ألم بهم نازلة دعوا الأصنام، بل (دعوا الله مخلصين له الدين).

وفي معنى الآيتين التقابل، لأن التقدير: إن تطلبوا منهم الخير والهدى لا يتبعوكم إلى مرادكم، وإن تطلبوا منهم أن يدفعوا عنكم الشر، لا يجيبوكم البتة، ولذلك أنتم صامتون عن دعائهم، فأدمج في الكلام بطريق المفهوم اضطرارهم إلى الله، والتجاءهم إليه، تتميماً لذم آلهتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>